قال ابن عطية : وقد انحمل الكلام قبل على لفظ : الذي ، وهذا هو مهيع كلام العرب ، ولو انحمل أولا على المعنى لقبح بعد أن يحمل على اللفظ. انتهى كلامه.
وقد تقدّم لنا الكلام معه في شيء من هذا ، وفي الحمل على اللفظ أو المعنى تفصيل لا يوجد إلّا في مبسوطات النحو.
وقيل : هو عائد على معلوم غير مذكور المعنى لا يقدر أحد من الخلق على الانتفاع بذلك البذر الملقى في ذلك التراب الذي على بالصفوان ، لأنه زال ذلك التراب وزال ما كان فيه ، فكذلك المان والمؤذي والمنافق ، لا ينتفع أحد منهم بعمله يوم القيامة. وقيل : هو عائد على المرائي الكافر أو المنافق ، أو على المان ، أي : لا يقدرون على الانتفاع بثواب شيء من إنفاقهم ، وهو كسبهم ، عند حاجتهم إليه ، وعبروا عن النفقة بالكسب لأنهم قصدوا بها الكسب ، وهذا كقوله تعالى : (وَقَدِمْنا إِلى ما عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْناهُ هَباءً مَنْثُوراً) (١) وقوله : (أَعْمالُهُمْ كَرَمادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عاصِفٍ) (٢) الآية. وقوله : (أَعْمالُهُمْ كَسَرابٍ بِقِيعَةٍ) (٣) ويكفي من ذكر العمل لغير وجه الله حديث الثلاثة الذين هم أوّل الناس يقضى عليه يوم القيامة ، وهو : المستشهد والعالم والجواد.
(وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ) يعني الموافقين على الكفر ، ولا يهديهم في كفرهم بل هو ضلال محض. أو : لا يهديهم في أعمالهم وهم على الكفر ، وفي هذا ترجح لمن قال : إن ضرب المثل عائد على الكافر.
(وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللهِ وَتَثْبِيتاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ) لما ضرب مثل : من أنفق ماله رئاء الناس وهو غير مؤمن ، ذكر ضدّه بتمثيل محسوس للذهن ، حتى يتصوّر السامع تفاوت ما بين الضدّين ، وهذا من بديع أساليب فصاحة القرآن. ولما وصف صاحب النفقة بوصفين ، قابل ذلك هنا بوصفين ، فقوله : (ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللهِ) مقابل لقوله : (رِئاءَ النَّاسِ) وقوله : (وَتَثْبِيتاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ) مقابل لقوله : (وَلا يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) لأن المراد بالتثبيت توطين النفس على المحافظة عليه وترك ما يفسده ، ولا يكون إلّا عن يقين بالآخرة. والتقادير الثلاثة التي في قوله : (مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ) جارية هنا ، أي : ومثل المنافقين كمثل
__________________
(١) سورة الفرقان : ٢٥ / ٢٣.
(٢) سورة إبراهيم : ١٤ / ١٨.
(٣) سورة النور : ٢٤ / ٣٩.