لكانت الصدقة مرتبا عليها حصول الأجر والثواب. قيل : والحمل عى هذا المعنى أولى ، لأن التراب إذا وقع على الصفوان لم يكن ملتصقا به ، ولا غائصا فيه ، فهو في مرأى العين متصل ، وفي الحقيقة منفصل. فكذا الإنفاق المقرون بالمنّ والأذى ، يرى في الظاهر أنه عمل بر وفي الحقيقة ليس كذلك ، وعلى هذين القولين يكون التقدير : لا تبطلوا أجور صدقاتكم ، أو : لا تبطلوا أصل صدقاتكم.
وقرأ ابن المسيب ، والزهري : صفوان بفتح الفاء ، قيل : وهو شاذ في الأسماع. إنما بابه المصادر : كالغليان والتروان ، وفي الصفات نحو : رجل صيمان ، وتيس عدوان.
وارتفع تراب على الفاعلية ، أي : استقر عليه تراب ، فأصابه وابل. و : فأصابه ، معطوف على ذلك الفعل الرافع للتراب ، والضمير في : فأصابه ، عائد على الصفوان ، ويحتمل أن يعود على التراب ، وفي : فتركه ، عائد على الصفوان. وهذه الجملة جعل فيها العمل الظاهر : كالتراب ، والمانّ المؤذي ، أو المنافق كالصفوان ، ويوم القيامة كالوابل ، وعلى قول المعتزلة : المنّ والأذى كالوابل.
وقال القفال : وفيه احتمال آخر ، وهو أن أعمال العباد ذخائر لهم يوم القيامة ، فمن عمل بإخلاص فكأنه طرح بذرا في أرض طيبة ، فهو يتضاعف له وينمو ، ألا ترى أنه ضرب المثل في ذلك بجنة فوق ربوة؟ فهو يجده وقت الحاجة إليه. وأما المان والمؤذي والمنافق ، فكمن بذر في الصفوان لا يقبل بذرا ولا ينمو فيه شيء ، عليه غبار قليل أصابه جود فبقي مستودع بذر خاليا ، فعند الحاجة إلى الزرع لا يجد فيه شيئا. انتهى ما لخص من كلامه. وحاصله : أن التشبيه انطوى من حيث المعنى على بذر وزرع.
(لا يَقْدِرُونَ عَلى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا) اختلف في الضمير في : يقدرون ، فقيل : هو عائد على المخاطبين في قوله : (لا تُبْطِلُوا صَدَقاتِكُمْ) ويكون من باب الالتفات ، إذ هو رجوع من خطاب إلى غيبة ، والمعنى : أنكم إذا فعلتم ذلك لم تقدروا على الانتفاع بشيء مما كسبتم ، وهذا فيه بعد. وقيل : هو عائد على (كَالَّذِي يُنْفِقُ) لأن : كالذي جنس ، فلك أن تراعي لفظه كما في قوله : (يُنْفِقُ مالَهُ رِئاءَ النَّاسِ وَلا يُؤْمِنُ) فأفرد الضمير ، ولك أن تراعي المعنى ، لأن معناه جمع ، وصار هذا (كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً فَلَمَّا أَضاءَتْ ما حَوْلَهُ) (١) ثم قال : (ذَهَبَ اللهُ بِنُورِهِمْ) (٢).
__________________
(١ ـ ٢) سورة البقرة : ٢ / ١٧.