وانتصاب رئاء على أنه مفعول من أجله ، أو مصدر في موضع الحال.
وقرأ طلحة بن مصرف : رياء بابدال الهمزة الأولى ياء لكسر ما قبلها ، وهي مروية عن عاصم.
(فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوانٍ عَلَيْهِ تُرابٌ فَأَصابَهُ وابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْداً) هذا تشبيه ثان ، واختلف في الضمير في قوله : (فَمَثَلُهُ) فالظاهر أنه عائد على (كَالَّذِي يُنْفِقُ مالَهُ رِئاءَ النَّاسِ) لقربه منه ، ولإفراده ضرب الله لهذا المنافق المرائي ، أو الكافر المباهي ، المثل بصفوان عليه تراب ، يظنه الظان أرضا منبتة طيبة ، فإذا أصابه وابل من المطر أذهب عنه التراب ، فيبقى صلدا منكشفا ، وأخلف ما ظنه الظان ، كذلك هذا المنافق يري الناس أن له أعمالا كما يرى التراب على هذا الصفوان ، فإذا كان يوم القيامة اضمحلت وبطلت ، كما أذهب الوابل ما كان على الصفوان من التراب. وقيل : الضمير في (فَمَثَلُهُ) عائد على المانّ المؤذي ، وأنه شبه بشيئين أحدهما : بالذي ينفق ماله رئاء الناس ، والثاني : بصفوان عليه تراب ، ويكون قد عدل من خطاب إلى غيبة ، ومن جمع إلى افراد.
قال القاضي عبد الجبار : ذكر تعالى لكيفية إبطال الصدقة بالمنّ والأذى مثلين ، فمثله أولا بمن ينفق ماله رئاء الناس ، وهو مع ذلك كافر لا يؤمن بالله واليوم الآخر ، لأن إبطال نفقة هذا المرائي الكافر أظهر من بطلان أجر صدقة من يتبعها بالمنّ والأذى. ثم مثله ثانيا بالصفوان الذي وقع عليه تراب وغبار. ثم إذا أصابه المطر القوي فيزيل ذلك الغبار عنه حتى يصير كأنه ما عليه تراب ولا غبار أصلا ، قال : فكما أن الوابل أزال التراب الذي وقع على الصفوان ، فكذا المنّ والأذى يجب أن يكونا مبطلين لأجر الإنفاق بعد حصوله ، وذلك صريح القول في الإحاطة والتكفير. انتهى كلامه. وهو مبني على ما قدّمناه عنه في القول في الإحباط والتكفير في قوله : (لا تُبْطِلُوا صَدَقاتِكُمْ) من أن الصدقة وقعت صحيحة ثم بطلت بالمنّ والأذى ، وتقدّم القول بأن المعنى : لا توقعوها باطلة ، ويدل على هذا المعنى التشبيه بقوله : كالذي ينفق ، فان نفقته وقعت باطلة لمقارنة الكفر لها ، فيمتنع دخولها صحيحة في الوجود.
وأما التمثيل الثاني فإنه عند عبد الجيار وأصحابه ، جعل الوابل مزيلا لذلك التراب بعد كينونته عليه ، فكذلك المنّ والأذى مزيلان للأجر بعد حصول استحقاقه ، وعند غيرهم أن المشبه بالتراب الواقع على الصفوان هو الصدقة المقترنة بالنية الفاسدة التي لولاها