(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذى كَالَّذِي يُنْفِقُ مالَهُ رِئاءَ النَّاسِ وَلا يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) لما شرط في الإنفاق أن لا يتبع منا ولا أذى ، لم يكتف بذلك حتى جعل المن والأذى مبطلا للصدقة ، ونهى عن الإبطال بهما ليقوي اجتناب المؤمن لهما ، ولذلك ناداهم بوصف الإيمان. ولما جرى ذكر المن والأذى مرتين ، أعادهما هنا بالألف واللام ، ودلت الآية على أن المن والأذى مبطلان للصدقة ، ومعنى إبطالهما أنه لا ثواب فيها عند الله. والسّدي يعتقد أن السيئات لا تبطل الحسنات ، فقال جمهور العلماء : الصدقة التي يعلم الله من صاحبها انه يمن ويؤذي لا تتقبل ، وقيل : جعل الله للملك عليها إمارة ، فهو لا يكتبها إذ نيته لم تكن لوجه الله.
ومعنى قوله : (لا تُبْطِلُوا صَدَقاتِكُمْ) أي : لا تأتوا بهذا العمل باطلا ، لأنه إذا قصد به غير وجه الله فقد أتى به على جهة البطلان. وقال القاضي عبد الجبار : معلوم أن الصدقة قد وقعت وتقدّمت ، فلا يصح أن تبطل. فالمراد إذن إبطال أجرها ، لأن الأجر لم يحصل بعد ، وهو مستقبل ، فيصير إبطاله بما يأتيه من المن والأذى. انتهى كلامه.
والمعنيان تحملهما الآية ، ولتعظيم قبح المن أعاد الله ذلك في معارض الكلام ، فأثنى على تاركه أولا وفضل المنع على عطية يتبعها المن ثانيا. وصرح بالنهي عنها ثالثا ، وخص الصدقة بالنهي إذ كان المن فيها أعظم وأشنع. والظاهر أن قوله : بالمن ، معناه على الفقير ، وهو قول الجمهور.
وقال ابن عباس : بالمن على الله تعالى بسبب صدقته ، والأذى للسائل. و : الكاف ، قيل في موضع نعت لمصدر محذوف تقديره إبطالا ، كابطال صدقة الذي ينفق ، وقيل : الكاف في موضع الحال ، أي : لا تبطلوا مشبهين الذي ينفق ماله بالرياء.
وفي هذا المنافق قولان :
أحدهما : أنه المنافق ، ولم يذكر الزمخشري غيره ينفق للسمعة وليقال إنه سخي كريم ، هذه نيته ، لا ينفق لرضا الله وطلب ثواب الآخرة ، لأنه في الباطن لا يؤمن بالله واليوم الآخر.
وقيل : المراد به الكافر المجاهر ، وذلك بإنفاقه لقول الناس : ما أكرمه وأفضله! ولا يريد بإنفاقه إلّا الثناء عليه ، ورجح مكي القول الأول بأنه أضاف إليه الرياء ، وذلك من فعل المنافق الساتر لكفره ، وأما الكافر فليس عنده رياء لأنه مناصب للدّين مجاهر بكفره.