فعلى هذا يكون القدير : وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء يكن زيادة خير للإخفاء على خير للإبداء وتكفير.
وقال المهدوي : في نصب الراء : هو مشبه بالنصب في جواب الاستفهام ، إذ الجزاء يجب به الشيء لوجوب غيره كالاستفهام.
وقال ابن عطية : بالجزم في الراء أفصح هذه القراآت لأنها تؤذن بدخول التكفير في الجزاء ، وكونه مشروطا إن وقع الإخفاء ، وأما رفع الراء فليس فيه هذا المعنى. انتهى.
ونقول : إن الرفع أبلغ وأعم ، لأن الجزم يكون على أنه معطوف على جواب الشرط الثاني ، والرفع يدل على أن التكفير مترتب من جهة المعنى على بذل الصدقات ، أبديت أو أخفيت ، لأنا نعلم أن هذا التكفير متعلق بما قبله ، ولا يختص التكفير بالإخفاء فقط ، والجزم يخصصه به ، ولا يمكن أن يقال : إن الذي يبدي الصدقات لا يكفر من سيئآته ، فقد صار التكفير شاملا للنوعين من إبداء الصدقات وإخفائها ، وإن كان الإخفاء خيرا من الإبداء.
و : من ، في قوله : من سيئآتكم ، للتبعيض ، لأن الصدقة لا تكفر جميع السيئات. وحكى الطبري عن فرقة قالت : من ، زائدة في هذا الموضع. قال ابن عطية : وذلك منهم خطأ ، وقول من جعلها سببية وقدر : من أجل ذنوبكم ، ضعيف.
(وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) ختم الله بهذه الصفة لأنها تدل على العلم بما لطف من الأشياء وخفي ، فناسب الرفع ختمها بالصفة المتعلقة بما خفي ، والله أعلم.
(لَيْسَ عَلَيْكَ هُداهُمْ وَلكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ) اختلف النقل في سبب نزول هذه الآية ، ومضمونها أن من أسلم كره أن يتصدق على قريبه المشرك ، أو على المشركين ، أو نهاهم النبي صلىاللهعليهوسلم من التصدق عليهم ، أو امتنع هو من ذلك ، وقد سأله يهودي ، فنزلت هذه الآية.
وظاهر الهدى أنه مقابل الضلال ، وهو مصدر مضاف للمفعول ، أي : ليس عليك أن تهديهم ، أي : خلق الهدى في قلوبهم ، وأما الهدى بمعنى الدعاء فهو عليه ، وليس بمراد هنا. وفي ذلك تسلية للنبي صلىاللهعليهوسلم ، وهو نظير : (إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلاغُ) (١) فالمعنى : ليس
__________________
(١) سورة الشورى : ٤٢ / ٤٨.