عليك هدى من خالفك حتى تمنعه الصدقة لأجل أن يدخلوا في الإسلام ، فتصدق عليهم لوجه الله ، هداهم ليس إليك. وجعل الزمخشري هنا الهدى ليس مقابلا للضلال الذي يراد به الكفر ، فقال : لا يجب عليك أن تجعلهم مهديين إلى الانتهاء عما نهوا عنه من المن والأذى والإنفاق من الخبيث وغيره ، وما عليك إلّا أن تبلغهم النواهي فحسب ، ويبعد ما قاله الزمخشري قوله : (وَلكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ) فظاهره أنه يراد به هدى الإيمان. وقال الزمخشري قوله : (وَلكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ) تلطف بمن يعلم أن اللطف ينفع فيه ، فينتهي عما نهى عنه. انتهى. فلم يحمل الهدى في الموضعين على الإيمان المقابل للضلال ، وإنما حمله على هدى خاص ، وهو خلاف الظاهر ، كما قلنا. وقيل : الهداية هنا الغنى أي : ليس عليك أن تغنيهم ، وإنما عليك أن تواسيهم ، فإن الله يغني من يشاء. وتسمية الغنى : هداية ، على طريقة العرب من نحو قولهم : رشدت واهتديت ، لمن ظفر ، وغويت لمن خاب وخسر وعلى هذا قول الشاعر :
فمن يلق خيرا يحمد الناس أمره |
|
ومن يغو لا يعدم على الغي لائما |
وتفسير الهدى بالغنى أبعد من تفسير الزمخشري ، وفي قوله : هداهم ، طباق معنوي ، إذ المعنى : ليس عليك هدى الضالين ، وظاهر الخطاب في : ليس عليك ، أنه لرسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وفي ذلك تسلية له صلىاللهعليهوسلم.
ومناسبة تعلق هذه الجملة بما قبلها أنه لما ذكر تعالى قوله : (يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشاءُ) الآية اقتضى انه ليس كل أحد آتاه الله الحكمة ، فانقسم الناس من مفهوم هذا إلى قسمين : من آتاه الله الحكمة فهو يعمل بها ، ومن لم يؤته إياها فهو يخبط عشواء في الضلال. فنبه بهذه الآية أن هذا القسم ليس عليك هداهم ، بل الهداية وإيتاء الحكمة إنما ذلك إلى الله تعالى ، ليتسلى بذلك في كون هذا القسم لم يحصل له السعادة الأبدية ، ولينبه على أنهم وإن لم يكونوا مهتدين ، تجوز الصدقة عليهم. وقيل : المعنى في : (لَيْسَ عَلَيْكَ هُداهُمْ) هو ليس عليك أن تلجئهم إلى الهدى بواسطة أن تقف صدقتك على إيمانهم ، فإن مثل هذا الإيمان لا ينتفعون به ، بل المطلوب منهم الإيمان على سبيل الطوع والاختيار. وفي قوله : (وَلكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ) رد على القدرية ، وتجنيس مغاير إذ : هداهم اسم ، ويهدي فعل.
(وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُمْ) أي : فهو لأنفسكم ، لا يعود نفعه ولا جدواه إلّا