يكون ذلك من طيب ما كسب ، ولا يكون من الخبيث. فذكر نوع غالب عليهم في الجاهلية ، وهو : خبيث ، وهو : الربا ، حتى يمتنع من الصدقة بما كان من ربا ، وأيضا فتظهر مناسبة أخرى ، وذلك أن الصدقات فيها نقصان مال ، والربا فيه زيادة مال ، فاستطرد من المأمور به إلى ذكر المنهي عنه لما بينهما من مناسبة ذكر التضاد ، وأبدى لأكل الربا صورة تستبشعها العرب على عادتها في ذكر ما استغربته واستوحشت منه ، كقوله : (طَلْعُها كَأَنَّهُ رُؤُسُ الشَّياطِينِ) (١) وقول الشاعر :
ومسنونة زرق كأنياب أغوال
وقول الآخر :
خيلا كأمثال السعالي شرّبا
وقول الآخر :
بخيل عليها جنّة عبقريّة
والأكل هنا قيل على ظاهره من خصوص الأكل ، وأن الخبر : عنهم ، مختص بالآكل الربا ، وقيل : عبر عن معاملة الربا وأخذه بالأكل ، لأن الأكل غالب ما ينتفع به فيه ، كما قال تعالى : (وَأَخْذِهِمُ الرِّبَوا) (٢) وقيل : الربا هنا كناية عن الحرام ، لا يخص الربا الذي في الجاهلية ، ولا الربا الشرعي. وقرأ العدوي : الربو ، بالواو قيل : وهي لغة الحيرة ، ولذلك كتبها أهل الحجاز بالواو لأنهم تعلموا الخط من أهل الحيرة ، وهذه القراءة على لغة من وقف على أفعى بالواو ، فقال : هذه أفعو ، فأجرى القارئ الوصل إجراء الوقف.
وحكى أبو زيد : أن بعضهم قرأ بكسر الراء وضم الباء وواو ساكنة ، وهي قراءة بعيدة ، لأن لا يوجد في لسان العرب اسم آخره واو قبلها ضمة ، بل متى أدى التصريف إلى ذلك قلبت تلك الواو ياء وتلك الضمة كسرة ، وقد أولت هذه القراءة على أنها على لغة من قال : في أفعى : أفعو ، في الوقف. وأن القارئ إما أنه لم يضبط حركة الباء ، أو سمى قربها من الضمة ضما.
و : لا يقومون ، خبر عن : الذين ، ووقع في بعض التصانيف أنها جملة حالية ، وهو بعيد جدا ، إذ يتكلف إضمار خبر من غير دليل عليه. وظاهر هذا الإخبار أنه إخبار عن الذين
__________________
(١) سورة الصافات : ٣٧ / ٦٥.
(٢) سورة النساء : ٤ / ١٦١.