يأكلون الربا ، وقيل : هو إخبار ووعيد عن الذين يأكلون الربا مستحلين ذلك ، بدليل قولهم : (إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا) وقوله : (وَاللهُ لا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ) وقوله : (فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ) (١) ومن اختار حرب الله ورسوله فهو كافر ، وهذا القيام الذي في الآية قيل هو يوم القيامة.
وقال ابن عباس ، ومجاهد ، وجبير ، والضحاك ، والربيع ، والسدي ، وابن زيد : معناه لا يقومون من قبورهم في البعث يوم القيامة إلّا كالمجانين ، عقوبة لهم وتمقيتا عند جمع المحشر ، ويكون ذلك سيما لهم يعرفون بها ، ويقوي بهذا التأويل قراءة عبد الله : لا يقومون يوم القيامة.
وقال بعضهم : يجعل معه شيطان يخنقه كأنه يخبط في المعاملات في الدنيا ، فجوزي في الآخرة بمثل فعله. وقد أثر في حديث الإسراء أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم رأى أكلة الربا ، كل رجل منهم بطنه مثل البيت الضخم ، وذكر حالهم أنهم إذا قاموا تميل بهم بطونهم فيصرعون ، وفي طريق أنه رأى بطونهم كالبيوت فيها الحيات ترى من خارج بطونهم.
قال ابن عطية : وأما ألفاظ الآية فيحتمل تشبيه حال القائم بحرص وجشع إلى تجارة الربا بقيام المجنون ، لأن الطمع والرغبة يستفزه حتى تضطرب أعضاؤه ، كما يقوم المسرع في مشيه يخلط في هيئة حركاته ، إما من فزع أو غيره قد جن. هذا وقد شبه الأعشى ناقته في نشاطها بالجنون في قوله :
وتصبح عن غب السرى وكأنها |
|
ألمّ بها من طائف الجن أولق |
لكن ما جاءت به قراءة ابن مسعود وتظاهرت به أقوال المفسرين يضعف هذا التأويل. انتهى كلامه. وهو حسن ، إلّا كما يقوم الكاف في موضع الحال ، أو نعتا لمصدر محذوف على الخلاف المتقدم بين سيبويه وغيره ، وتقدم في مواضع.
و : ما ، الظاهر أنها مصدرية ، أي : كقيام الذي ، وأجاز بعضهم أن يكون بمعنى الذي والعائد محذوف تقديره إلّا كما يقومه الذي يتخبطه الشيطان. قيل : معناه كالسكران الذي يستجره الشيطان فيقع ظهرا لبطن ، ونسبه إلى الشيطان لأنه مطيع له في سكره.
وظاهر الآية أن الشيطان يتخبط الإنسان ، فقيل ذلك حقيقة هو من فعل الشيطان
__________________
(١) سورة البقرة : ٢ / ٢٧٩.