بتمكين الله تعالى له من ذلك في بعض الناس ، وليس في العقل ما يمنع من ذلك ، وقيل : ذلك من فعل الله لما يحدثه فيه من غلبة السوء أو انحراف الكيفيات واحتدادها فتصرعه ، فنسب إلى الشيطان مجازا تشبيها بما يفعله أعوانه مع الذين يصرعونهم ، وقيل : أضيف إلى الشيطان على زعمات العرب أن الشيطان يخبط الإنسان فيصرعه ، فورد على ما كانوا يعتقدون ، يقولون : رجل ممسوس ، وجنّ الرجل.
قال الزمخشري : ورأيتهم لهم في الجن قصص وأخبار وعجائب ، وإنكار ذلك عنده كإنكار المشاهدات. انتهى.
وتخبط هنا : تفعّل ، موافق للمجرد ، وهو خبط ، وهو أحد معاني : تفعل ، نحو : تعدى الشيء وعداه إذا جاوزه.
من المس ، المس الجنون يقال : مس فهو ممسوس وبه مس. أنشد ابن الأنباري ، رحمهالله تعالى :
أعلل نفسي بما لا يكون |
|
كذي المس جن ولم يخنق |
وأصله من المس باليد ، كأن الشيطان يمس الإنسان فيجنه ، وسمي الجنون مسا كما أن الشيطان يخبطه ويطأه برجله فيخيله ، فسمي الجنون خبطة ، فالتخبط بالرجل والمس باليد ، ويتعلق : من المس ، بقوله : يتخبطه ، وهو على سبيل التأكيد ، ورفع ما يحتمله يتخبطه من المجاز إذ هو ظاهر في أنه لا يكون إلّا من المس ، ويحتمل أن يراد بالتخبط الإغواء وتزيين المعاصي ، فأزال قوله : من المس ، هذا الاحتمال. وقيل : يتعلق : بيقوم ، أي : كما يقوم من جنونه المصروع.
وقال الزمخشري : فإن قلت : بم يتعلق قوله : من المس؟
قلت : بلا يقومون ، أي : لا يقومون من المس الذي بهم إلّا كما يقوم المصروع. انتهى.
وكان قد قدم في شرح المس أنه الجنون ، وهو الذي ذهب إليه في تعلق : من المس ، بقوله : لا يقومون ، ضعيف لوجهين :
أحدهما : أنه قد شرح المس بالجنون ، وكان قد شرح أن قيامهم لا يكون إلّا في الآخرة ، وهناك ليس بهم جنون ولا مس ، ويبعد أن يكنى بالمس الذي هو الجنون عن أكل