الربا في الدنيا ، فيكون المعنى : لا يقومون يوم القيامة ، أو من قبورهم من أجل أكل الربا إلّا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان ، إذ لو أريد هذا المعنى لكان التصريح به أولى من الكناية عنه بلفظ المس ، إذ التصريح به أبلغ في الزجر والردع.
والوجه الثاني : أن : ما ، بعد : إلّا ، لا يتعلق بما قبلها ، إلّا إن كان في حيز الاستثناء ، وهذا ليس في حيز الاستثناء ، ولذلك منعوا أن يتعلق (بِالْبَيِّناتِ وَالزُّبُرِ) (١) بقوله : (وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجالاً) (٢) وان التقدير : ما أرسلنا بالبينات والزبر إلّا رجالا.
(ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا) الإشارة بذلك إلى ذلك القيام المخصوص بهم في الآخرة ، ويكون مبتدأ ، والمجرور الخبر ، أي : ذلك القيام كائن بسبب أنهم ، وقيل : خبر مبتدأ محذوف تقديره : قيامهم ذلك إلّا أن في هذا الوجه فصلا بين المصدر ومتعلقه الذي هو : بأنهم ، على أنه لا يبعد جواز ذلك لحذف المصدر ، فلم يظهر قبح بالفصل بالخبر ، وقدّره الزمخشري : ذلك العقاب بسبب أنهم ، والعقاب هو ذلك القيام ، ويحتمل أن يكون ذلك إشارة إلى أكلهم الربا ، أي ذلك الأكل الذي استحلوه بسبب قولهم واعتقادهم أن البيع مثل الربا ، أي : مستندهم في ذلك التسوية عندهم بين الربا والبيع ، وشبهوا البيع وهو المجمع على جوازه بالربا وهو محرم ، ولم يعكسوا تنزيلا لهذا الذي يفعلونه من الربا منزلة الأصل المماثل له البيع ، وهذا من عكس التشبيه ، وهو موجود في كلام العرب.
قاله ذو الرمّة :
ورمل كأروال العذارى قطعته
وهو كثير في أشعار المولدين ، كما قال أبو القاسم بن هانىء :
كأن ضياء الشمس غرّة جعفر |
|
رأى القرن فازدادت طلاقته ضعفا |
وكان أهل الجاهلية إذا حل دينه على غريمه طالبه ، فيقول : زدني في الأجل وأزيدك في المال ، فيفعلان ذلك ويقولان : سواء علينا الزيادة في أول البيع بالربح ، أو عند المحل لأجل التأخير ، فكذبهم الله تعالى. وقيل : كانت ثقيف أكثر العرب ربا ، فلما نهوا عنه قالوا : إنما هو مثل البيع.
__________________
(١) سورة النحل : ١٦ / ٤٤.
(٢) سورة النحل : ١٦ / ٤٣.