(وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا). ظاهره أنه من كلام الله تعالى لا من كلامهم ، وفي ذلك ردّ عليهم إذ ساووا بينهما ، والحكم في الأشياء إنما هو إلى الله تعالى ، لا يعارض في حكمه ولا يخالف في أمره ، وفي هذه الآية دلالة على أن القياس في مقابلة النص لا يصح ، إذ جعل الدليل في إبطال قولهم هو : أن الله أحل البيع وحرم الربا. وقال بعض العلماء : قياسهم فاسد ، لأن البيع عوض ومعوض لا غبن فيه ، والربا فيه التغابن وأكل المال البطل ، لأن الزيادة لا مقابل لها من جنسها ، بخلاف البيع ، فإن الثمن مقابل بالمثمن ..
قال جعفر الصادق : حرم الله الربا ليتقارض الناس ، وقيل : حرم لأنه متلف للأموال ، مهلك للناس. وقال بعضهم : يحتمل أن يكون : (وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا) من كلامهم ، فكانوا قد عرفوا تحريم الله الربا فعارضوه بآرائهم ، فكان ذلك كفرا منهم.
والظاهر : عموم البيع والربا في كل بيع ، وفي كل ربا ، إلّا ما خصه الدليل من تحريم بعض البيوع وإحلال بعض الربا ، وقيل : هما مجملان ، فلا يقدّم على تحليل بيع ولا تحريم ربا إلّا ببيان ، وهذا فرق ما بين العام والمجمل ، وقيل : هو عموم دخله التخصيص ، ومجمل دخله التفسير ، وتقاسيم البيع والربا وتفاصيلهما مذكور في كتب الفقه.
والظاهر أن الآية كما قالوا في الكفار ، لقوله : (فَلَهُ ما سَلَفَ) لأن المؤمن العاصي بالربا ليس له ما سلف ، بل ينقض ويردّ فعله ، وإن كان جاهلا بالتحريم ، لكنه يأخذ بطرف من وعيد هذه الآية.
(فَمَنْ جاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهى فَلَهُ ما سَلَفَ) حذف تاء التأنيث من : جاءته ، للفصل ، ولأن تأنيث الموعظة مجازي. وقرأ أبيّ ، والحسن : فمن جاءته بالتاء على الأصل ، وتلت عائشة هذه الآية سألتها العالية بنت أبقع ، زوج أبي إسحاق السبيعي عن شرائها جارية بستمائة درهم نقدا من زيد بن أرقم ، وكانت قد باعته إياها بثمانمائة درهم إلى عطائه ، فقالت عائشة : بئسما شريت وما اشتريت ، فابلغي زيدا أنه أبطل جهاده مع رسول الله صلىاللهعليهوسلم إلّا أن يتوب ، فقالت العالية : أرأيت إن لم آخذ منه إلّا رأس مالي؟ فتلت الآية عائشة. والموعظة : التحريم ، أو : الوعيد ، أو : القرآن ، أقوال. ويتعلق : من ربه ، بجاءته ، أو : بمحذوف ، فيكون صفة لموعظة ، وعلى التقدير فيه تعظيم الموعظة إذ جاءته من ربه ، الناظر له في مصالحه ، وفي ذكر الرب تأنيس لقبول الموعظة. إذ الرب فيه إشعار بإصلاح عبده ، فانتهى تبع النهي ، ورجع عن المعاملة بالربا ، أو عن كل محرم من