تقدم الكلام في هاتين الصفتين ، وختم بهما ترغيبا في التوبة وإشعارا بأن هاتين الصفتين هما له ، فمن رجع إليه عطف عليه ورحمه.
وذكروا في هذه الآية من الأحكام جملة ، منها أن كتمان العلم حرام ، يعنون علم الشريعة لقوله : (ما أَنْزَلْنا مِنَ الْبَيِّناتِ) ، وبشرط أن يكون المعلم لا يخشى على نفسه ، وأن يكون متعينا لذلك. فإن لم يكن من أمور الشرائع ، فلا تحرج في كتمها. روي عن عبد الله أنه قال : ما أنت بمحدث قوما حديثا لا تبلغه عقولهم إلا كان لبعضهم فتنة. وروي عنه صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «حدث الناس بما يفهمون». أتحبون أن يكذب الله ورسوله؟ قالوا : والمنصوص عليه من الشرائع والمستنبط منه في الحكم سواء ، وإن خشي على نفسه فلا يحرج عليه ، كما فعل أبو هريرة ، وإن لم يتعين عليه فكذلك ، ما لم يسأل فيتعين عليه ، ومنها : تحريم الأجرة على تعليم العلم ، وقد أجازه بعض العلماء. ومنها : أن الكافر لا يجوز تعليمه القرآن حتى يسلم ، ولا تعليم الخصم حجة على خصمه ليقطع بها ماله ، ولا السلطان تأويلا يتطرّق به إلى مكاره الرعية ، ولا تعليم الرخص إذا علم أنها تجعل طريقا إلى ارتكاب المحظورات وترك الواجبات. ومنها : وجوب قبول خبر الواحد ، لأنه لا يجب عليه البيان إلا وقد وجب عليهم قبول قوله ، لأن قوله من البينات والهدى يعم المنصوص والمستنبط وجواز لعن من مات كافرا ، وقال بعض السلف : لا فائدة في لعن من مات أو جنّ من الكفار ، وجمهور العلماء على جواز لعن الكفار جملة من غير تعيين. وقال بعضهم بوجوبها ، وأما الكافر المعين فجمهور العلماء على أنه لا يجوز لعنه. وقد لعن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قوما بأعيانهم. وقال ابن العربي : الصحيح عندي جواز لعنه. وذكر ابن العربي الاتفاق على أنه لا يجوز لعن العاصي والمتجاهر بالكبائر من المسلمين. وذكر بعض العلماء فيه خلافا ، وبعضهم تفصيلا ، فأجازه قبل إقامة الحدّ عليه. ومنها : أن التوبة المعتبرة شرعا أن يظهر التائب خلاف ما كان عليه في الأول ، فإن كان مرتدا ، فبالرجوع إلى الإسلام وإظهار شرائعه ، أو عاصيا ، فبالرجوع إلى العمل الصالح ومجانبة أهل الفساد. وأما التوبة باللسان فقط ، أو عن ذنب واحد ، فليس ذلك بتوبة. وقد تقدم الكلام في التوبة مشبعا.
(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَماتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللهِ) : لما ذكر حال من كتم العلم وحال من تاب ، ذكر حال من مات مصرا على الكفر ، وبالغ في اللعنة ، بأن جعلها مستعلية عليه ، وقد تجللته وغشيته ، فهو تحتها ، وهي عامة في كل من كان كذلك. وقال أبو مسلم : هي مختصة بالذين يكتمون ما أنزل الله في الآية قبل ، وذلك أنه ذكر حال