و : تذكر ، يتعدّى لمفعولين ، والثاني محذوف ، أي : فتذكر إحداهما الأخرى الشهادة ، وفي قوله (فَتُذَكِّرَ إِحْداهُمَا الْأُخْرى) دلالة على أن من شرط جواز إقامة الشهادة ذكر الشاهد لها ، وأنه لا يجوز الاقتصار فيها على الخط ، إذ الخط والكتابة مأمور به لتذكر الشهادة ، ويدل عليه قوله : (إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ) (١) وإذا لم يذكرها فهو غير عالم بها.
وقال أبو حنيفة ، وأبو يوسف ، والشافعي : إذا كتب خطه بالشهادة فلا يشهد حتى يذكرها ، وقال محمد بن أبي ليلى ، إذا عرف خطه وسعه أن يشهد عليها. وقال الثوري : إذا ذكر أنه شهد ، ولا يذكر عدد الدراهم ، فإنه لا يشهد.
(وَلا يَأْبَ الشُّهَداءُ إِذا ما دُعُوا) قال قتادة : سبب نزولها أن الرجل كان يطوف في الحراء العظيم ، فيه القوم ، فلا يتبعه منهم أحد ، فأنزلها الله.
وظاهر الآية : أن المعنى : ولا يأب الشهداء من تحمل الشهادة إذا ما دعوا لها ، قاله ابن عباس ، وقتادة ، والربيع وغيرهم. وهذا النهي ليس نهي تحريم ، فله أن يشهد ، وله أن لا يشهد. قاله عطاء ، والحسن. وقال الشعبي : إن لم يوجد غيره تعين عليه أن يشهد ، وإن وجد فهو مخير ، وقيل : المعنى : ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا لأداء الشهادة إذا كانوا قد شهدوا قبل ذلك ، قاله مجاهد ، وعطاء ، وعكرمة ، وسعيد بن جبير ، والضحاك ، والسدي ، وإبراهيم ، ولاحق بن حميد ، وابن زيد. وروى النقاش : هكذا فسره رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، ولو صح هذا عنه ، عليهالسلام ، لم يعدل عنه فيكون نهي تحريم.
وقال ابن عباس أيضا ، والحسن ، والسدي : هي في التحمل والإقامة إذا كان فارغا ، وقال ابن عطية : والآية كما قال الحسن ، جمعت الأمرين ، والمسلمون مندوبون إلى معاونة إخوانهم ، فإذا كانت الفسحة في كثرة الشهود ، والأمن من تعطيل الحق ، فالمدعو مندوب ، وله أن يتخلف لأدنى عذر وأن يتخلف لغير عذر ، ولا إثم عليه. وإذا كانت الضرورة ، وخيف تعطيل الحق أدنى خوف ، قوي الندب وقرب من الوجوب. وإذا علم أن الحق يذهب ويتلف بتأخر الشاهد عن الشهادة ، فواجب عليه القيام بها ، لا سيما إن كانت محصلة. وكان الدعاء إلى أدائها ، فإن هذا الطرف آكد ، لأنها قلادة في العنق وأمانة تقتضي الأداء. انتهى.
__________________
(١) سورة الزخرف : ٤٣ / ٨٦.