(وَلا تَسْئَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيراً أَوْ كَبِيراً إِلى أَجَلِهِ) لما نهى عن امتناع الشهود إذا ما دعوا للشهادة ، نهى أيضا عن السآمة في كتابة الدين ، كل ذلك ضبط لأموال الناس ، وتحريض على أن لا يقع النزاع ، لأنه متى ضبط بالكتابة والشهادة قل أن يحصل وهم فيه أو إنكار ، أو منازعة في مقدار أو أجل أو وصف ، وقدم الصغير اهتماما به ، وانتقالا من الأدنى إلى الأعلى. ونص على الأجل للدلالة على وجوب ذكره ، فكتب كما يكتب أصل الدين ومحله إن كان مما يحتاج فيه إلى ذكر المحل ، ونبه بذكر الأجل على صفة الدين ومقداره ، لأن الأجل بعض أوصافه ، والأجل هنا هو الوقت الذي اتفق المتداينان على تسميته.
وقال الماتريدي : فيه دلالة على جواز السلم في الثياب ، لأن ما يؤكل أو يوزن لا يقال فيه الصغير والكبير ، وإنما يقال ذلك في العددي والذرعي. انتهى.
ولا يظهر ما قال : إذ الصغر ، والكبر هنا لا يراد به الجرم ، وإنما هو عبارة عن القليل والكثير ، فمن أسلم في مقدار ويبة ، أو في مقدار عشرين أردبا ، صدق على الأول أنه حق صغير ودين صغير ، وعلى الثاني انه دين كبير وحق كبير.
قيل : ومعنى : ولا تسأموا ، أي لا تكسلوا ، وعبر بالسأم عن الكسل ، لأن الكسل صفة المنافق ، ومنه الحديث : «لا يقل المؤمن كسلت» ، وكأنه من الوصف الذي نسبه الله إليهم في قوله : (وَإِذا قامُوا إِلَى الصَّلاةِ قامُوا كُسالى) (١) وقيل : معناه لا تضجروا ، و : أن تكتبوا ، في موضع نصب على المفعول به ، لأن سئم متعد بنفسه. كما قال الشاعر :
سئمت تكاليف الحياة ومن يعش |
|
ثمانين عاما لا أبك لك يسأم |
وقيل : يتعدّى سئم بحرف جر ، فيكون : أن تكتبوه ، في موضع نصب على إسقاط الحرف ، أو في موضع جر على الخلاف الذي تقدم بين سيبويه والخليل ، ومما يدل على أن سئم يتعدّى بحرف جر قوله :
ولقد سئمت من الحياة وطولها |
|
وسؤال هذا الناس كيف لبيد |
وضمير النصب في : تكتبوه ، عائد على الدّين ، لسبقه ، أو على الحق لقربه ، والدّين هو الحق من حيث المعنى ، وكان من كثرت ديونه يمل من الكتابة ، فنهوا عن ذلك.
__________________
(١) سورة النساء : ٤ / ١٤٢.