واحتمل أن يكون مبنيا للمفعول ، فنهى أن يضارّهما أحد بأن يعنتا ، ويشق عليهما في ترك أشغالهما ، ويطلب منهما ما لا يليق في الكتابة والشهادة قال معناه أيضا ابن عباس ، ومجاهد ، وطاووس ، والضحاك ، والسدي.
ويقوي هذا الاحتمال قراءة عمر : ولا يضارر ، بالفك وفتح الراء الأولى. رواها الضحاك عن ابن مسعود ، وابن كثير عن مجاهد ، واختاره الطبري لأن الخطاب من أول الآيات إنما هو للمكتوب له ، وللمشهود له ، وليس للشاهد والكاتب خطاب تقدّم ، إنما رده على أهل الكتابة والشهادة ، فالنهي لهم أبين أن لا يضار الكاتب والشهيد فيشغلونهما عن شغلهما ، وهم يجدون غيرهما. ورجح هذا القول بأنه لو كان خطابا للكاتب والشهيد لقيل : وإن تفعلا فإنه فسوق بكما ، وإذا كان خطابا للمداينين فالمنهيون عن الضرار هم ، وحكى أبو عمرو عن عمر ، وابن عباس ، ومجاهد ، وابن أبي إسحاق : أن الراء الأولى مكسورة ، وحكى عنهم أيضا فتحها ، وفك الفعل. والفك لغة الحجاز ، والإدغام لغة تميم.
وقرأ ابن القعقاع ، وعمرو بن عبيد : ولا يضار ، بجزم الراء ، وهو ضعيف لأنه في التقدير جمع بين ثلاث سواكن ، لكن الألف لمدّها يجري مجرى المتحرك ، فكأنه بقي ساكنان ، والوقف عليه ممكن. ثم أجريا الوصل مجرى الوقف.
وقرأ عكرمة : ولا يضارر ، بكسر الراء الأولى والفك ، كاتبا ولا شهيدا بالنصب أي : لا يبدأهما صاحب الحق بضرر.
ووجوه المضارة لا تنحصر ، وروى مقسم عن عكرمة أنه قرأ : ولا يضارّ ، بالإدغام وكسر الراء لالتقاء الساكنين.
وقرأ ابن محيصن : ولا يضارّ ، برفع الراء المشدّدة ، وهي نفي معناه النهي. وقد تقدّم تحسين مجيء النهي بصورة النفي ، وذلك أن النهي إنما يكون عن ما يمكن وقوعه ، فإذا برز في صورة النفي كان أبلغ ، لأنه صار مما لا يقع ، ولا ينبغي أن يقع.
(وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ) ظاهره أن مفعول : تفعلوا ، المحذوف راجع إلى المصدر المفهوم من قوله : ولا يضار ، وإن تفعلوا لمضارة أو الضرار فإنه ، أي الضرار ، فسوق بكم أي : ملتبس بكم ، أو تكون الباء ظرفية ، أي : فيكم ، وهذا أبلغ ، إذ جعلوا محلا للفسق.
والخطاب في : تفعلوا ، عائد على الكاتب والشاهد ، إذ كان قوله : ولا يضار ، قد قدر