وقال أبو علي : يحاسب عباده على ما يخفون من أعمالهم وعلى ما يبدونه ، فيغفر للمستحق ويعذب المستحق. ودلت على أن الثواب والعقاب يستحقان بالعزم وسائر أفعال القلوب إذا كانت طاعة أو معصية.
وقال الزمخشري : من السوء وهذا حسن لأنه جاء بعد ذلك ذكر الغفران والتعذيب ، لكن ذيل ذلك الزمخشري بقوله : فيغفر لمن يشاء ، لمن استوجب المغفرة بالتوبة مما أظهر منه ، أو أضمر. ويعذب من يشاء من استوجب العقوبة بالإصرار. انتهى. وهذه نزعة اعتزالية ، وأهل السنة يقولون : إن الغفران قد يكون من الله تعالى لمن مات مصرّا على المعصية ولم يتب ، فهو في المشيئة ، إن شاء غفر له وإن شاء عذبه (إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ) (١).
ثم قال الزمخشري : ولا يدخل فيما يخفيه الإنسان الوسواس ، وحديث النفس ، لأن ذلك مما ليس في وسعه الخلو منه ، ولكن ما اعتقده وعزم عليه. وعن عبد الله بن عمر ، أنه تلاها فقال : لئن أخذنا الله بهذا لنهلكن ، ثم بكى حتى سمع نشجه ، فذكر لابن عباس فقال : يغفر الله لأبي عبد الرحمن ، قد وجد المسلمون منها مثل ما وجد ، فنزل : (لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها) انتهى كلامه.
وقال ابن عطية : في أنفسكم ، يقتضي قوّة اللفظ أنه ما تقرر في النفس واعتقد واستصحب الفكر فيه ، وأما الخواطر التي لا يمكن دفعها فليست في النفس إلّا على تجوز. انتهى.
وقال بعضهم : إن هذه الآية منسوخة بقوله : (لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها) وينبغي أن يجعل هذا تخصيصا إذا قلنا : إن الوسوسة والهواجس مندرجة تحت : ما ، في قوله : (ما فِي أَنْفُسِكُمْ) والأصح أنها محكمة ، وأنه تعالى يحاسبهم على ما عملوا وما لم يعملوا مما ثبت في نفوسهم ونووه وأرادوه ، فيغفر للمؤمنين ، ويأخذ به أهل الكفر والنفاق ، وقيل : العذاب الذي يكون جزاء للخواطر هو مصائب الدنيا وآلامها وسائر مكارهها. وروي هذا المعنى عن عائشة.
ولما كان اللفظ مما يمكن أن يدخل فيه الخواطر ، أشفق الصحابة ، فبين الله ما أراد
__________________
(١) سورة النساء : ٢ / ٤٨ و ١١٦.