بها وخصصها ، ونص على حكمه أنه لا يكلف نفسا إلّا وسعها ، والخواطر ليس دفعها في الوسع ، وكان في هذا فرجهم وكشف كربهم.
والآية خبر ، والنسخ لا يدخل الأخبار ، وانجزم : يحاسبكم ، على أنه جواب الشرط ، وقيل : عبر عن العلم بالمحاسبة إذ من جملة تفاسير الحسيب : العالم ، فالمعنى : أنه يعلم ما في السرائر والضمائر ، وقيل : الجزاء مشروط بالمشيئة أو بعدم المحاسبة ، ويكون التقدير : يحاسبكم إن شاء أو يحاسبكم إن لم يسمح.
وقرأ ابن عامر ، وعاصم ، ويزيد ، ويعقوب ، وسهل : فيغفر لمن يشاء ويعذب ، بالرفع فيهما على القطع ، ويجوز على وجهين : أحدهما : أن يجعل الفعل خبر مبتدأ محذوف. والآخر : أن يعطف جملة من فعل وفاعل على ما تقدّم. وقرأ باقي السبعة بالجزم عطفا على الجواب. وقرأ ابن عباس ، والأعرج ، وأبو حيوة بالنصب فيهما على إضمار : أن ، فينسبك منها مع ما بعدها مصدر مرفوع معطوف على مصدر متوهم من الحساب ، تقديره : يكن محاسبة فمغفرة وتعذيب ، وهذه الأوجه قد جاءت في قول الشاعر :
فان يهلك أبو قابوس يهلك |
|
ربيع الناس والشهر الحرام |
ونأخذ بعده بذناب عيش |
|
أجب الظهر ليس له سنام |
يروى بجزم : ونأخذ ، ورفعه ونصبه. وقرأ الجعفي ، وخلاد ، وطلحة بن مصرف : يغفر لمن يشاء ، ويروى أنها كذلك في مصحف عبد الله. قال ابن جني : هي على البدل من : يحاسبكم ، فهي تفسير للمحاسبة. انتهى. وليس بتفسير ، بل هما مترتبان على المحاسبة ، ومثال الجزم على البدل من الجزاء قوله (وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ يَلْقَ أَثاماً يُضاعَفْ لَهُ الْعَذابُ) (١).
وقال الزمخشري : ومعنى هذا البدل التفصيل لجملة الحساب ، لأن التفصيل أوضح من المفصل ، فهو جار مجرى بدل البعض من الكل ، أو بدل الاشتمال ، كقولك : ضربت زيدا رأسه. وأحب زيدا عقله ، وهذا البدل واقع في الأفعال وقوعه في الأسماء لحاجة القبيلين إلى البيان. انتهى كلامه. وفيه بعض مناقشة.
أولا : فلقوله : ومعنى هذا البدل التفصيل لجملة الحساب ، وليس الغفران والعذاب
__________________
(١) سورة الفرقان : ٢٥ / ٦٨.