تفصيلا لجملة الحساب ، لأن الحساب إنما هو تعداد حسناته وسيئاته وحصرها ، بحيث لا يشذ شيء منها ، والغفران والعذاب مترتبان على المحاسبة ، فليست المحاسبة تفصل الغفران والعذاب.
وأما ثانيا : فلقوله بعد ان ذكر بدل البعض والكل ، وبدل الاشتمال : هذا البدل وقوعه في الأسماء لحاجة القبيلين إلى البيان. أما بدل الاشتمال فهو يمكن ، وقد جاء لأن الفعل بما هو يدل على الجنس يكون تحته أنواع يشتمل عليها ، ولذلك إذا وقع عليه النفي انتفت جميع أنواع ذلك الجنس ، وأما بدل البعض من الكل فلا يمكن في الفعل ، إذ الفعل لا يقبل التجزي ، فلا يقال في الفعل : له كل وبعض إلّا بمجاز بعيد ، فليس كالاسم في ذلك ، ولذلك يستحيل وجود بدل البعض من الكل بالنسبة لله تعالى ، إذ الباري تعالى واحد فلا ينقسم ولا يتبعض.
قال الزمخشري ، وقد ذكر قراءة الجزم : فإن قلت : كيف يقرأ الجازم؟.
قلت : يظهر الراء ويدغم الباء ، ومدغم الراء في اللام لاحن مخطئ خطأ فاحشا ، وراويه عن أبي عمرو مخطئ مرتين ، لأنه يلحن وينسب إلى أعلم الناس بالعربية ما يؤذن بجهل عظيم ، والسبب في نحو هذه الروايات قلة ضبط الرواة ، والسبب في قلة الضبط قلة الدراية ، ولا يضبط نحو هذا إلا أهل النحو. انتهى كلامه. وذلك على عادته في الطعن على القراء.
وأما ما ذكر أن مدغم الراء في اللام لاحن مخطئ خطأ فاحشا إلى آخره ، فهذه مسألة اختلف فيها النحويون ، فذهب الخليل ، وسيبويه وأصحابه : إلى أنه لا يجوز إدغام الراء في اللام من أجل التكرير الذي فيها ، ولا في النون. قال أبو سعيد. ولانعلم أحدا خالفه إلّا يعقوب الحضرمي ، وإلّا ما روي عن أبي عمرو ، وأنه كان يدغم الراء في اللام متحركة متحركا ما قبلها ، نحو : (يَغْفِرُ لِمَنْ) (١) (الْعُمُرِ لِكَيْلا) (٢) (وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ) (٣) فإن سكن ما قبل الراء أدغمها في اللام في موضع الضم والكسر ، نحو (الْأَنْهارُ لَهُمْ) (٤) و (النَّارُ لِيَجْزِيَ) (٥) فإن انفتحت وكان ما قبلها حرف مدولين أو غيره لم
__________________
(١) سورة البقرة : ٢ / ٢٨٤ ، وآل عمران : ٣ / ١٢٩ والمائدة : ٤ / ١٨ و ٤٠. والفتح : ٤٨ / ١٤.
(٢) سورة الحج : ٢٢ / ٥.
(٣) سورة النساء : ٤ / ٦٤.
(٤) سورة النحل : ١٦ / ٣١.
(٥) سورة إبراهيم : ١٤ / ٥٠ و ٥١.