أشربت معنى التمني إذا حذفت الفاء. والسبب في ذلك أن كونها مشربة معنى التمني ، ليس أصلها ، وإنما ذلك بالحمل على حرف التمني الذي هو ليت. والجزم في جواب ليت بعد حذف الفاء ، إنما هو لتضمنها معنى الشرط ، أو دلالتها على كونه محذوفا بعدها ، على اختلاف القولين ، فصارت لو فرع فرع ، فضعف ذلك فيها. والكاف في كما : في موضع نصب ، إما نعتا لمصدر محذوف ، أو على الحال من ضمير المصدر المحذوف على القولين السابقين ، في غير ما موضع من هذا الكتاب. وما في كما : مصدرية ، التقدير : تبرأوا مثل تبرئهم ، أو فنتبرأه ، أي فنتبرأ التبرؤ مشابها لتبرئهم. وقال ابن عطية : الكاف من قوله : كما في موضع نصب على النعت ، إما لمصدر ، أو لحال ، تقديرها : متبرئين. كما انتهى كلامه. أما قوله على النعت ، إما لمصدر ، فهو كلام واضح ، وهو الإعراب المشهور في مثل هذا. وأما قوله : أو لحال ، تقديرها : متبرئين كما ، فغير واضح ، لأنا لو صرحنا بهذه الحال ، لما كان كما منصوبا على النعت لمتبرئين ، لأن الكاف الداخلة على ما المصدرية هي من صفات الفعل ، لا من صفات الفاعل. وإذا كان كذلك ، لم ينتصب على النعت للحال ، لأن الحال هنا من صفات الفاعل ، ولا حاجة لتقدير هذه الحال ، لأنها إذ ذاك تكون حالا مؤكدة ، ولا نرتكب كون الحال مؤكدة إلا إذا كانت ملفوظا بها. أما أن تقدر حالا ونجعلها مؤكدة ، فلا حاجة إلى ذلك. وأيضا فالتوكيد ينافي الحذف ، لأن ما جيء به لتقوية الشيء لا يجوز حذفه أيضا. فلو صرح بهذه الحال ، لما ساغ في كما إلا أن تكون نعتا لمصدر محذوف ، أو حالا من الضمير المستكن في الحال المصرّح بها ، مثال ذلك : هم محسنون إليّ كما أحسنوا إلى زيد. فكما أحسنوا ليس من صفات محسنين ، إنما هو من صفات الإحسان ، التقدير : على الإعراب المشهور إحسانا مثل إحسانهم إلى زيد.
(كَذلِكَ يُرِيهِمُ اللهُ أَعْمالَهُمْ حَسَراتٍ عَلَيْهِمْ) : الكاف عند بعضهم في موضع رفع ، وقدروه الأمر كذلك ، أو حشرهم كذلك ، وهو ضعيف ، لأنه يقتضي زيادة الكاف وحذف مبتدأ ، أو كلاهما على خلاف الأصل. والظاهر أن الكاف على بابها من التشبيه ، وأن التقدير مثل إراءتهم تلك الأهوال ، (يُرِيهِمُ اللهُ أَعْمالَهُمْ حَسَراتٍ عَلَيْهِمْ) ، فيكون نعتا لمصدر محذوف ، فيكون في موضع نصب. وجعل صاحب المنتخب ذلك من قوله : كذلك ، إشارة إلى تبرؤ بعضهم من بعض. والأجود تشبيه الإراءة بالآراءة ، وجوزوا في يريهم أن تكون بصرية عديت بالهمزة ، فتكون حسرات منصوبا على الحال ، وأن تكون قلبية ، فتكون مفعولا ثالثا ، قالوا : ويكون ثم حذف مضاف ، أي على تفريطهم. وتحسر : يتعدى بعلى ،