ـ فحين يريد أن يقدم على مواقف أساسية ومصيرية ـ وحين لا يكون هو نفسه يرضى بالاعتماد على القبلية كعنصر فعال في حماية مواقفه ، وتحقيق أهدافه ؛ فإن من اللازم : أن يتخذ من ذوي قرباه موقفا صريحا ، ويضعهم في الصورة الواضحة ؛ وأن يهيئ لهم الفرصة ليحددوا مسؤولياتهم ، بحرية ، وصراحة ، وصفاء ، بعيدا عن أي ضغط وابتزاز ولو كان هذا الضغط من قبيل العرف القبلي فيما بينهم ؛ لأنه عرف مرفوض إسلاميا.
وهنا تبرز واقعية الإسلام في تعامله مع الأمور ، وفي معالجته للقضايا ، الإسلام الذي لا يرضى أن يستغل جهل الناس وبساطتهم ، وحتى أعرافهم ـ الخاطئة ـ التي ارتضوها لأنفسهم في سبيل منافعه ، وتحقيق أهدافه.
نعم ، إن الإسلام يعتبر الوسيلة جزءا من الهدف ، فلا بد أن تنسجم وتتلاءم معه ، كما لا بد أن تنال من الطهر والقداسة بالمقدار الذي يناله الهدف نفسه.
وفقنا الله للسير على هدى الإسلام ، والالتزام بتعاليمه ؛ إنه خير مأمول ، وأكرم مسؤول.
وعلى كل حال ، فقد خرج «صلى الله عليه وآله» من ذلك الاجتماع بوعد أكيد من شيخ الأبطح ، أبي طالب «عليه السلام» بالنصر والعون ؛ فإنه لما رأى موقف أبي لهب اللاإنساني ، واللامعقول ، قال له : «يا عورة ، والله لننصرنه ، ثم لنعيننه!! يا ابن أخي ، إذا أردت أن تدعو إلى ربك فأعلمنا ، حتى نخرج معك بالسلاح» (١).
__________________
(١) تاريخ اليعقوبي (ط صادر) ج ٢ ص ٢٨ و ٢٧.