«صلى الله عليه وآله» قد أمر من قبل الله تعالى بالإنذار أولا لعشيرته ، فقال تعالى : (وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ).
وكذلك الحال بالنسبة لغيرهم من سائر الناس ، فإنه تعالى قد قال لنبيه ، كما في سورة المدثر ، التي هي من العتائق النازلة في أوائل البعثة : (قُمْ فَأَنْذِرْ).
فقد جاء الإنذار أولا ، مع أنه «صلى الله عليه وآله» قد أرسل مبشرا ونذيرا ، ومع أن القرآن هدى وبشرى أيضا ، لأن الناس لم يكونوا على واقع الفطرة ، والغفلة ، وعدم الالتفات ، بل كانوا في أول البعثة كفارا ، معاندين ومنغمسين في الظلم والانحراف إلى أبعد مدى ، فلا بد من إنذارهم أولا ؛ ليلتفتوا إلى عواقب ما هم عليه من واقع سيء يعيشونه ، وإلى العواقب المدمرة والمرعبة ، التي تنتظرهم نتيجة لذلك.
والتفاتهم هذا ، لسوف يؤثر فيهم للتطلع ، ثم الحركة نحو الخروج من ذلك الواقع ، والتخلص منه.
ثم يأتي بعد ذلك دور تخليص المجتمع من رواسبه ، ومن حركاته ، وأعماله ، ومواقفه السيئة ، على مستوى الفرد ، وعلى مستوى الجماعة ، وتطهيره من كل غريب ومريض.
ومعه جنبا إلى جنب تكون عملية وضع الأسس المتينة والسليمة لبناء الهيكل العام للمجتمع المسلم في عواطفه ، وفي علاقاته ، وفي روابطه.
والأهم من ذلك ؛ في فكره وثقافته ، وإعطائه المفهوم الحقيقي والواقعي عن الكون ، وعن الحياة ، وبالذات عن هذا الإنسان القوي الضعيف ، وليطّرد قدما في عملية بناء الإنسان من الداخل ، وتربيته وتزكيته ، كما هي