يستطع النبي «صلى الله عليه وآله» نفسه أن يفرق بين الملاك والشيطان ، والوسوسة ، والحقيقة ، وهو يعاين ويشاهد ؛ فإن غيره وهو لا يتيسر له الاطلاع الحسي على شيء من ذلك يكون أولى بالشك ، وعدم الاعتماد.
وقد نقل الحجة البلاغي أن بعض أهل الكتاب قد نقض على المسلمين بذلك فقال :
«الشيطان قرين محمد ، وتشبث بنقله عن بعض المفسرين قولهم : إنه كان لرسول الله عدو من شياطين الجن ، كان يأتيه بصورة جبرئيل ، وإنه يسمى الأبيض» (١).
وبعد هذا ، فإننا نستطيع أن نعرف سر محاولات أعداء الإسلام الدائبة للتشكيك في اتصال نبينا الأعظم «صلى الله عليه وآله» بالله تعالى ، فافتعلوا الكثير مما رأوه مناسبا لذلك ، من الوقائع والأحداث التي رافقت الوحي في مراحله الأولى ، أو حرفوه وحوروه حسب أهوائهم ، وخططهم ، ومذاهبهم ، على اعتبار أنها فترة بعيدة نسبيا عن متناول الأيدي عادة.
فلما فشلوا في ذلك حاولوا ادعاء أن ما جاء به نبينا «صلى الله عليه وآله» كان نتيجة عبقريته ونبوغه ، وعمق تفكيره ، ومعرفته بطرق استغلال الظروف ، وانتهاز الفرص ، وليس لأجل اتصاله بالمبدأ الأعلى تبارك وتعالى.
وهكذا ، فإننا نستطيع أن نتهم يد أهل الكتاب في موضوع الأحداث غير المعقولة ، التي تنسب زورا وبهتانا إلى مقام نبينا الأعظم «صلى الله عليه
__________________
(١) الهدى إلى دين المصطفى ج ١ ص ١٦٩ عن كتاب الهداية في الرد على إظهار الحق ، والسيف الحميدي ج ٣ ص ٥.