لا يمكن له أن يقتنع بهذا النصيب المحدود من التقدم ، لأن دينه دين البشرية جمعاء : (وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ)(١).
وما حصل عليه حتى الآن لا يمكّنه من تطبيق تشريعات الإسلام كافة ، وتحقيق كامل أهدافه ، ولا سيما بالنسبة إلى ذلك الجانب ، الذي يعالج مشاكل الناس الاجتماعية وغيرها ، مما يحتاج إلى القوة والمنعة في مجال فرض القانون والنظام.
ومن الناحية الأخرى : إنه إذا كان بنو عبد المطلب والهاشميون قد استطاعوا أن يؤمنوا الحماية لشخص الرسول من اعتداءات الآخرين على شخصه الكريم ، فإنهم لم ولن يستطيعوا أن يؤمنوا له القدرة على حماية أصحابه ، الذين دخلوا في هذا الدين ، وقبلوا رسالة السماء.
فضلا عن أن يتمكنوا من تأمين الحد الأدنى من الحماية له ، فيما لو أراد أن يتوسع في نشر رسالة الإسلام ، وفرض هيمنة هذا الدين وسلطانه ، إذا احتاج الأمر إلى ذلك.
وأما بعد وفاة أبي طالب «رحمه الله» فإن الأمور قد تطورت بشكل مخيف ، حتى بالنسبة إلى شخص النبي الأعظم «صلى الله عليه وآله» ، كما رأينا وسنرى.
ثالثا : ولقد صمد أولئك الذين أسلموا سنوات طويلة في مواجهة التعذيب والظلم والاضطهاد ، حتى لقد فر قسم منهم بدينه إلى بلاد الغربة ، وبقي الباقون يواجهون محاولات فتنتهم عن دينهم ، بمختلف وسائل القهر
__________________
(١) الآية ٢٨ من سورة سبأ.