الدعاء للجميع ، ولا يعزل الداعي نفسه عن المدعو لهم ، كما في النحو الثاني من الدعاء ، وإنما ينوب عنهم ، ويدعو لهم ، ويحشر نفسه ضمن الجميع الذين يدعو لهم ، وهو من اقرب الدعاء الىٰ الاستجابة.
فإن الله تعالىٰ إما أن يردها جميعاً ، أو يستجيب لبعض دون بعض أو يتقبلها للجميع.
والله تعالىٰ اكرم من أن يردها جميعاً ؛ وليس من شأن الكريم التبعيض في الاستجابة.
فعليه يتعين الفرض الثالث ، وهو الاستجابة للدعاء في حق الجميع.
وأجمل ما في هذا النحو من الدعاء أن الفرد هنا يكون رسولاً عن الجميع الىٰ الله ، ويمثل الجميع ويخاطب الله تعالىٰ باسم الجميع ، ويقول : (ربنا) ، وينوب عن الجميع ويكون رسول الجميع الىٰ الله.
وأجمل من ذلك أن كل واحد منا يمنح لنفسه الحق أن يكون رسولاً عن الآخرين الىٰ الله ، فكلّ منا رسول الناس الىٰ الله تعالىٰ في الدعاء ، وكما أن لله تعالىٰ رسولاً الىٰ الناس كذلك للناس رسل يرفعون تضرعهم وحاجتهم الىٰ بارئهم.
والكل هنا رسول عن الكل ، وينوب عن الكل.
ومن العجب أننا عندما نعيش في هذه الدنيا في السوق والشارع نضع بيننا الحواجز والسدود ، ونفصل بعضنا عن بعض ، ويكون لكل واحد منا حدوده وحقوقه التي لا يتراجع ولا يتنازل عنها ، ولا يمثل احدنا إلّا نفسه ، ولا ينوب عن غيره إلّا بتصريح وإذن ، فإذا صعدنا الىٰ الله بالصلاة والدعاء ، كسرنا هذه الحواجز جميعاً ، ولم يكن احدنا يفصل نفسه عن غيره ، وكان كل واحد منا يمثل الكل. وهذا التمثيل من اروع التمثيل وأجمله (تمثيل الجميع للجميع ، ونيابة الجميع عن الجميع في النطق والنداء والدعاء بين يدي ربّ العالمين).