توحيدك ، ويتوسل إليك بربوبيتك يا مولاي فكيف يبقیٰ في العذاب وهو يرجو ما سلف من حلمك ، أم كيف تؤلمه النار وهو يأمل فضلك ورحمتك ، أم كيف يحرقه لهيبها وأنت تسمع صوته وتریٰ مكانه ، ام كيف يشتمل عليه زفيرها وأنت تعلم ضعفه ، أم كيف يتغلغل بين أطباقها وأنت تعلم صدقه ، أم كيف تزجره زبانيتها وهو يناديك يا ربه ، أم كيف يرجو فضلك في عتقه منها فتتركه فيها. هيهات ، ما ذلك الظن بك ، ولا المعروف من فضلك ، ولا مشبه لما عاملت به الموحّدين من برّك وإحسانك ، فباليقين أقطع لو لا ما حكمت به من تعذيب جاحديك وقضيت به من إخلاد معانديك ، لجعلت النار كلّها برداً وسلاماً ، وما كان لأحدٍ فيها مقراً ولا مقاماً » (١).
يقول أحدهم : إن خصلة البطولة والشجاعة خصلة أصيلة في علي عليهالسلام ، لا تفارقه حتىٰ في الدعاء بين يدي رب العالمين. فها هو في الدعاء الذي علّمه لكميل يتصوّر أن النار قد احتوت العبد المذنب ، وأحاطت به من كل جانب ، فلا يسكت ولا يسكن ولا يستسلم للعذاب والعقوبة ، كما هو مقتضىٰ الحال فيمن أطبق عليه العذاب واحتوشه زبانية النار ، وإنما يضج ويبكي ويصرخ ويهتف وينادي.
ألا تراه كيف يعبر عن هذه الحالة في دعاء الله ؟
« فبعزتك يا سيدي ومولاي اُقسم صادقاً لئن تركتني ناطقاً لأضجن إليك بين أهلها ضجيج الآملين ، ولأصرخن إليك صراخ المستصرخين ، ولأبكين عليك بكاء الفاقدين ، ولاُنادينّك اين كنت يا ولي المؤمنين ».
قلت : لمْ تصب في تذوق كلام علي عليهالسلام ، ولو كان عليهالسلام بهذا الصدد لم يقل في مقدمة هذا الخطاب « لو تركتني ناطقاً ». أما أنا فأتصور الحالة النفسية لعلي عليهالسلام في
__________________
(١) مفاتيح الجنان ، دعاء كميل.