هذه الكلمات بين يدي الله تعالىٰ حالة الطفل الصغير الذي لم يعرف في دنياه غير عطف اُمه ، ورحمتها ، وحبها ملجأً وملاذاً. فكلما داهمه أمر أو أضرّ به شيء لجأ إلىٰ اُمه ، واستغاث بها واستنجدها ، فإذا ارتكب مخالفة وتعرض لعقوبة من اُمه ، وأراد أن يلجأ إلىٰ طرف يحميه من عقوبتها لم يجد ملاذاً وملجأً غيرها ، فيحتمي بها ويستنجدها ويستغيث ويلوذ بها ، كما كان يفعل عندما يصيبه الأذىٰ من غيرها.
وهذا هو حال علي عليهالسلام في هذا الدعاء. إنّه تعلَّم بقلبه الكبير ، واُفقه الواسع الرحب أن يلجأ إلىٰ الله ، ويستغيث به ، ويلوذ به ، ولا يعرف غيره ملجأً ولا ملاذاً.
فهو سبحانه وتعالىٰ ، ملجأُه وملاذه الوحيد الذي لا يعرف غيره. فإذا تصوّر أن الله تعالىٰ قد أحاطه بعذابه وعقوبته (١) فلا يتردد لحظة واحدة أن يلجأ إلىٰ الله ، ويلوذ به ، ويستنجد به ، ويستغيث به كما كان يفعل كل مرة.
أو ليس هو سبحانه ملاذه وملجأه الوحيد ؟ فلماذا يتردد هذه المرة أن يستنجد ويستغيث به ؟!
يقول زين العابدين علي بن الحسين عليهالسلام في تصوير هذا المعنیٰ في المناجاة :
« فإن طردتني من بابك فبمن ألوذ ؛ وإن رددتني عن جنابك فبمن أعوذ. إلهي هل يرجع العبد الابق إلّا إلىٰ مولاه ؛ أم هل يجيره من سخطه أحد سواه » (٢).
ويقول عليهالسلام في الدعاء الذي علّمه لأبي حمزة الثمالي : « وأنا يا سيدي عائذ بفضلك هارب منك إليك » (٣).
ويقول علي بن الحسين عليهالسلام في نفس الدعاء : « إلىٰ من يذهب العبد إلّا إلىٰ
__________________
(١) نحن نستعير هنا كلمات علي عليهالسلام نفسه ، ولو أنه لم يقل ذلك لم نجرؤ أن نتحدث عن العلاقة بينه وبين الله تعالىٰ بهذه الطريقة.
(٢) بحار الأنوار ٩٤ : ١٤٢.
(٣) بحار الأنوار ٩٨ : ٨٤.