مولاه : وإلىٰ من يذهب المخلوق إلّا إلىٰ خالقه » (١).
والهروب من الله إلىٰ الله من رقائق المعاني والأفكار في علاقة العبد بالله ، وهذه المشاعر التي يصورها علي عليهالسلام في علاقة العبد بالله هي من أرقّ مشاعر (الحب) و (الرجاء) ، وأصدقها في نفوس المحبين.
وعلي عليهالسلام لا يذهب مذهب الشعراء في هذه الفقرة من الدعاء في الاستعانة بالخيال في إكمال رسم هذه اللوحة الرائعة من الدعاء ، وإنما هو صادق كل الصدق في التعبير عن إحساسه وشعوره هذا بين يدي الله.
ولذلك فهو يعقب هذه اللوحة من (استغاثة العبد بربه) بلوحة اُخرىٰ في نجدة الله لعبده.
فليس يمكن فيما نعرف من رحمة الله وفضله أن الله تعالىٰ يخيب هذا الإحساس الصادق والصافي والنقي من العبد في الحب والرجاء ، فيردّ حبه ويخيّب رجاءه ، يقول عليهالسلام : « فكيف يبقیٰ في العذاب وهو يرجو ما سلف من حلمك ؛ أم كيف تؤلمه النار وهو يأمل فضلك ورحمتك ؛ أم كيف يحرقه لهيبها وأنت تسمع صوته وتریٰ مكانه ؛ أم كيف يشتمل عليه زفيرها وأنت تعلم ضعفه ؛ أم كيف يتغلغل بين أطباقها وأنت تعلم صدقه ؛ أم كيف تزجره زبانيتها وهو يناديك يا ربه ».
فهل يمكن أن تقوده الزبانية إلىٰ النار وتزجره فيها ، وهو ينادي الله ، ويهتف به ، ويلوذ به بلسان أهل توحيده ؟
إنّ ما سبق من حلمه وفضله في حياتنا ينفي ذلك نفياً قاطعاً مطلقاً. والإمام يستدلّ بحلم الله علىٰ حلمه وفضله علىٰ فضله : « وهو يرجو ما سلف من حلمك ».
__________________
(١) بحار الأنوار ٩٨ : ٨٨.