عليك. قرّب علينا البعيد ، وسهِّل علينا العسير الشديد ، وألحقنا بعبادك الذين هم بالبدار إليك يسارعون ، وبابك علىٰ الدوام يطرقون ، وإيّاك بالليل والنهار يعبدون ، وهم من هيبتك مشفقون الذين صفّيت لهم المشارب ، وبلّغتهم الرغائب ، وأنجحت لهم المطالب ، وقضيت لهم من فضلك المآرب ، وملأت لهم ضمائرهم من حبّك ، وروّيتهم من صافي شربك فبك إلىٰ لذيذ مناجاتك وصلوا ، ومنك أقصىٰ مقاصدهم حصّلوا. فيا من هو علىٰ المقبلين عليه مقبل ، وبالعطف عليهم عائد مفضل ، وبالغافلين عن ذكره رحيم رؤوف ، وبجذبهم إلىٰ بابه ودود عطوف ... أسالك أن تجعلني من أوفرهم منك حظّاً ، وأعلاهم عندك منزلاً ، وأجزلهم من ودّك قسْماً ، وأفضلهم في معرفتك نصيباً. فقد انقطعت إليك همتي ، وانصرفت نحوك رغبتي ، فأنت لا غيرك مرادي ، ولك لا لسواك سَهَري وسهادي ، ولقاؤك قرة عيني ، ووصلك منىٰ نفسي ، وإليك شوقي ، وفي محبتك ولهي ، وإلىٰ هواك صبابتي ، ورضاك بغيتي ، ورؤيتك حاجتي ، وجوارك طلبي ، وقربك غاية سؤلي ، وفي مناجاتك روحي وراحتي ، وعندك دواء علّتي ، وشفاء غلّتي ، وكشف كربتي ، فكن أنيسي في وحشتي ومُقيل عثرتي ، وغافر زلّتي ، وقابل توبتي ، ومجيب دعوتي ، ووليّ عصمتي ، ومُغني فاقتي ، ولا تقطعني عنك ، ولا تبعدني منك ، يا نعيمي وجنتي ، ويا دنياي وآخرتي » (١).
وهذه قطعة جليلة من جلائل المناجاة ، ورائعة من روائع أدب الدعاء ، وغرّة من غرر كلمات أهل البيت عليهمالسلام في الدعاء والتضرّع والحب ، صادرة عن قلبٍ والهٍ بحب الله ، مشتاق إلىٰ لقاء الله ، وهي تستحق الكثير من التأمل والوقوف.
__________________
(١) بحار الأنوار ٩٤ : ١٤٨.