أرواحهم ، وقرّت بالنظر إلىٰ محبوبهم أعينهم ، واستقر بإدراك السؤل ونيل المأمول قرارهم ، وربحت في بيع الدنيا بالآخرة تجارتهم.
إلهي ما ألذ خواطر الإلهام بك علىٰ القلوب ، وما أحلىٰ المسير إليك بالاوهام في مسالك الغيوب ، وما أطيب طعم حبّك ، وما أعذب شرب قربك. فأعذنا من طردك وإبعادك ، واجعلنا من أخصّ عارفيك واصلح عبادك ، واصدق طائعيك وأخلص عُبّادك » (١).
ولا يسعنا الوقت أن نقف للتأمّل عند هذه المناجاة التي هي رائعة من روائع أهل البيت عليهمالسلام في الدعاء والمناجاة. ونخرج عن الصدد والغاية من هذا البحث ، ولكن أودّ أن أقف قليلاً عند هذه الجملة التي يبدأ بها الامام علي بن الحسين عليهالسلام مناجاته : « إلهي واجعلنا من الذين ترسَّخت أشجار الشوق إليك في حدائق صدورهم ، وأخذت لوعة محبّتك بمجامع قلوبهم » ، فإن صدور أولياء الله كما يظهر من كلام الامام حدائق ذات بهجة ، وذات ثمار طيبة ، وإن صدور الناس علیٰ أنحاء : فمن الصدور مكاتب ومدارس للعلم ، والعلم خير ونور ، ولكن علیٰ أن يبقیٰ الصدر حديقة للشوق إلىٰ الله ، ومن الصدور متاجر وبنوك وبورصات للمال تزدحم بالارقام وجداول الإحصاء وحسابات الربح والخسارة. والمال والتجارة خيرٌ بشرط أن لا يكون الشغل الشاغل لقلب الانسان وصدره ، ولا يكون همّه الذي لا يفارقه. ومن الصدور أراض سبخة ينبت فيها الشوك والحنظل والسموم والاحقاد والصراع علىٰ المال والسلطان والكيد والمكر بالآخرين. ومن الصدور ملاهٍ وملاعب ، والدنيا لهوٌ ولعبٌ لطائفة واسعة من الناس.
ومن الناس من ينشطر صدره إلىٰ شطرين : شطر للسموم والاحقاد ،
__________________
(١) مفاتيح الجنان : مناجاة العارفين.