اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمَانِ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَأُولَـٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ) (١).
فلم يكن المؤمنون الذين خاطبهم الله بهذه الآية يحبّون آباءهم وإخوانهم أشدّ من حبّهم لله ، ولكنهم كانوا يحبّونهم رغم كفرهم ، ويضمرون لهم المودّة والحبّ والولاء ، فنهاهم الله عن ذلك ، وعدّ حبّهم والولاء لهم من الظلم.
وهذه الآية نزلت في « حاطب بن أبي بلتعة » (٢) الذي أرسل إلىٰ قومه من المشركين يخبرهم بقدوم رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم. ولا نشكّ في أن « حاطب بن أبي بلتعة » كان مؤمناً ، ولم يكن حبّه لأهله بأشدّ من حبّه لله ، إلّا أنه كان يحبّ اهله وقومه ، رغم عدائهم لله ولرسوله.
ولا يتّسع قلب لحبّين يتعارضان في وقت واحد ، حبّ الله وحبّ أعداء الله ، فإذا أخلص قلبه لله في الحبّ والبغض وحكّم حبّ الله تعالىٰ في كل متعلّقاته النفسية ، فليس عليه من بأس بعد ذلك أن يحبّ أو يكره ، كلّما توفّرت الضوابط العقائدية للحبّ والكره لديه.
وليس للمؤمن أن يرسل عواطفه ، كما يشاء واين يشاء ، ولا أن يمدّ صِلاته وعلاقاته كما يريد ، وإنما يجب عليه أن يحكّم حبّه لله في صِلاته ، وعلاقاته ، وميوله النفسية ، بشكل دقيق ، إن كان صادقاً في حبّه لله.
ولقد كان المسلمون الاوائل يقتلون آباءهم ، وإخوانهم ، وأعمامهم من المشركين ، فلا يتردّدون في شيء من ذلك ، ولا يتزلزل لهم قدم ، ولن يكون الولاء والحبّ لله صادقاً إلّا عندما يمكّن صاحبه من التخلّي عن كل حبّه وبغضه وميوله النفسية وعلاقاته لله بشكل مطلق ، ويتحرّر من كل الوشائج النفسية التي تربطه بهذا أو ذاك بشكلٍ كامل. يقول أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليهالسلام : « ولقد كنا مع
__________________
(١) التوبة : ٢٣.
(٢) تفسير نور الثقلين ٢ : ١٩٥.