رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم نقتل آباءنا ، وأبناءنا ، وإخواننا ، وأعمامنا ... ما يزيدنا ذلك إلّا إيماناً وتسليماً ، ومضيّاً علىٰ اللقم (١) ، وصبراً علىٰ مضض الألم ، وجدّاً في جهاد العدو ـ ثم يقول عليهالسلام ـ : فلما رأىٰ الله صدقنا أنزل بعدوّنا الكبت ، وأنزل علينا النصر حتىٰ استقر الاسلام » (٢).
وتستوقفنا في هذا الحديث فقرتان :
اولاهما : « ما يزيدنا ذلك إلّا إيماناً وتسليماً » ، وهذه الفقرة تحكي عن سنّة من سنن الله تعالىٰ هي سنّة (العلاقة بين العطاء وبين الايمان والحب) ، وهذه سنة لا يعيها إلّا قلّة من الناس.
والناس عادة يتصوّرون الأمر بالعكس ، فيتصوّرون أن المعاناة وتحمّل الابتلاء يستنفد صبر الانسان ومقاومته ، وما وراء هذا الصبر والمقاومة من إيمان وحبّ يبعثان علىٰ الصبر والمقاومة ... بينما الأمر بالعكس تماماً ، فإن المعاناة وتحمّل الآلام والابتلاء ، وقتل الآباء والابناء في الله يزيد في قدرة الانسان المؤمن علىٰ تحمّل الابتلاء والمعاناة ، وعلىٰ الصمود والصبر ، ويزيد في إيمان الانسان وحبه لله تعالىٰ.
والفقرة الثانية : التي تستوقفنا في هذا الحديث للتأمّل هذه العلاقة الوشيجة بين الصدق في الحبّ والولاء وبين النصر. « فلما رأىٰ الله صدقنا أنزل بعدوّنا الكبت » ؛ فإن النصر لا ينزل إلّا حيث يكون الصدق في الولاء والموقف ، ولا تنفصل الساحة العسكرية في نتائجها عما يستقرّ في القلوب من الصدق في الحبّ والولاء.
فلن يكون المؤمن ـ إذن ـ صادقاً في حبّه وولائه لله إلّا إذا كان قادراً علىٰ
__________________
(١) اللَّقم : معظم الطريق أو وسطه وواضحه ، المنجد ، مادة لقم.
(٢) نهج البلاغة ، صبحي الصالح ١ : ٩١ ـ ٩٢ ، خ ٥٢.