كان لموسى (ع) بعد موته خلفاء من الأنبياء يقيمون أمر الله في بني إسرائيل الواحدتلو الآخر ، ومن هؤلاء الخلفاء نبي ذكره القرآن ، ولم يسمه ، ولكنه كان في عهد داود (ع) ، كما يستفاد من الآيات ، وقال كثير من المفسرين : انه صمويل ، وفي ذات يوم أتاه جماعة من بني إسرائيل ، وقالوا له : أقم علينا أميرا نصدر عن رأيه في تدبير الحرب ، ونقاتل معه في سبيل الله ، فقال لهم نبيهم ـ وكان قد سبر أحوالهم ـ اني أتوقع تخاذلكم إذا كتب عليكم القتال ، ودعيتم الى الجهاد.
قالوا : كيف نتخاذل ، وقد أخرجنا العدو من ديارنا ، وحال بيننا وبين أبنائنا؟!. فاستخار الله نبيهم فيمن يصلح للقيادة ، فأوحى الله سبحانه : اني قد اخترت عليهم طالوت ملكا ، وقيل انه سمي طالوت لطوله ، ولما أخبرهم النبي بأن الله قد اختار طالوت ، قالوا : كيف يكون له الملك علينا ، وهو غير عريق النسب ، وفارغ اليد من المال؟!.
فقال النبي : ان زعامة الجيش لا تحتاج الى نسب ونشب ، وانما تحتاج الى الشجاعة ، والمعرفة بتصريف الأمور ، والله سبحانه قد منح طالوت الكفاءة العلمية والخلقية ، والقدرة الجسمية ، وسائر مؤهلات الزعامة والرئاسة .. فقالوا : نريد معجزة تدل على مكانته هذه .. قال : آية ذلك أن يعود إليكم التابوت ، تأتيكم به الملائكة بأمر الله تعالى .. قيل : ان هذا التابوت كان فيه بقية ألواح موسى وعصاه ، وثيابه وشيء من التوراة ، وكان قد سلبهم إياه الفلسطينيون في بعض المعارك الحربية .. وقيل : بل رفعه الله الى السماء بعد وفاة موسى .. ولما جاء التابوت بمعجزة من الله سبحانه صحت عندهم العلامة ، وأقروا لطالوت بالسلطان والقيادة.
وقادهم طالوت الى جهاد عدوهم ، وأخبرهم بأنهم سيمرون على نهر يمتحن به اخلاص المخلصين منهم ، فمن كان صابرا محتسبا فلا ينهل منه الا بمقدار ما يأخذه باليد ، فمن امتثل فهو المخلص الذي يوثق به ، أما الذي ينهل ، حتى يرتوي فلا معول عليه في الحرب والجهاد ، ولما مروا على النهر عصوا كعادتهم ، وشربوا الا نفرا قليلا ثبتوا على الصدق والايمان.