تنبيه :
أول نداء جاء في سورة البقرة للناس أجمعين ، وأريد به الدعوة الى الإسلام وعبادة الله ، هو قوله تعالى في الآية ٢١ : (يا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ). والنداء الثاني كان لبني إسرائيل الطائفة الكبيرة التي تفرعت عنها الطائفة النصرانية ، وجاء النداء الثاني تذكيرا برفع النقم عن بني إسرائيل ، واغداق النعم عليهم ، وهو قوله تعالى في الآية ٣٩ : (يا بَنِي إِسْرائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ). والنداء الثالث جاء لأمة محمد (ع) في هذه الآية : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقُولُوا راعِنا). وهي تعلّم المسلمين آداب الشريعة بعد ان أسلموا وآمنوا بالله ، وهذا الترتيب بين النداءات الثلاثة ترتيب طبيعي يستدعيه الواقع والاتساق من دعوة الناس أولا كل الناس الى الايمان بالله ، ثم تذكير من آمن قبل البعثة بفضل الله ، ثم تعليم من آمن بعدها آداب الله ، وهذا ضرب من بلاغة القرآن في الابتداء بالمرحلة الأولى ، ثم الانتقال الى ما بعدها من غير فاصل ..
(ما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ). ليس غريبا ولا عجيبا ان يكره المشركون واليهود والنصارى ، ومعهم المنافقون ـ أن يكرهوا جميعا نزول القرآن على محمد ، وأن يخصه الله والذين معه بالفضل والهداية ، والصلاح والإصلاح ، وانما العجيب ان لا يكرهوا ذلك. (وَاللهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ). قال أمير المؤمنين (ع) : المراد بالرحمة هنا النبوة.
الحسد والحاسد :
الحسد بما هو من لواحق طبيعة الإنسان الا من عصم الله ، لا يختص بالمشركين ، ولا باليهود والنصارى ، بل يشمل كثيرا من المسلمين ، بل ومن علماء الدين ، بل وبعض من يتصدى لمنصب المرجعية الدينية الأعلى ، مع العلم بأن هذا المنصب أقرب المناصب كلها الى منصب المعصوم .. وقد قال الله والأنبياء والأئمة والحكماء