المغفرة لشخص ما يختلف بحسب الحالات والمقامات ، فتارة يدعى لشخص بالغفران ، وتارة بالرحمة ، وثالثة بالرضوان ، وهذه الأنحاء الثلاثة من الدعوات مختلفة في نظر العرف ، بل في الواقع أيضا ، وأدناها مرتبة هو طلب الغفران ، والأرفع منها طلب الرحمة ، وإن كان طلب الرحمة بمعناه اللغوي هو طلب الستر والغفران إلّا أنّه في نظر العرف أعلى مرتبة من طلب الغفران.
ثم الأعلى من هاتين المرتبتين طلب الرضوان ، فإنّه لا يقال في حقّ شخص : «رضياللهعنه» إلّا في مقام التعظيم والاكبار.
وقد فسّر قوله تعالى : (لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ)(١) بأنّ الرضوان هنا بمعنى إعطائهم الثواب ، ولا يلازم ذلك الذنب ، وعليه فالترضّي أعلى درجة من المرتبتين السابقتين ، وهناك مرتبة أعلى من الجميع وهي قولهم : «كرّم الله وجهه» ويعبّر بها في مقام التنزيه ، وقد دأب بعض العامّة على التعبير بهذا عن أمير المؤمنين عليهالسلام ، وعلّل ذلك بنزاهته عن السجود للأصنام ، وليس الكلام في هذه المرتبة ، بل في المراتب الثلاث الاولى ودلالتها.
والتحقيق في المقام أن يقال : إنّ الدعاء بطلب المغفرة لا دلالة فيه على التوثيق ، ولم يقل به أحد ، ومحلّ الكلام هو الترحّم والترضّي.
فأمّا الترحّم فالظاهر أنّه مورد اهتمام من العرف ، فلا يترحّم على كلّ أحد وإن كان لا يفرق فيه بحسب اللغة ، فكلّ شخص يمكن أن يدعى له بالرحمة.
وأمّا الترضّي فهو في اللغة بمعنى الرضا أي قبله الله وأراد ثوابه ، وهو لا يطلق على كلّ أحد ، فلا يقال لمن يتجاهر بالفسق مثلا : «رضياللهعنه» وإنّما يقال لمن كان في رتبة عالية من الجلالة والقداسة ، كسلمان ، وأبي ذرّ ، والمقداد ،
__________________
(١) سورة الفتح آية ١٨.