القزّاز عن أحمد بن إسحاق عن النّضر بن محمّد قال : دخل قتادة الكوفة ونزل في دار أبي بردة ، فخرج يوما وقد اجتمع إليه خلق كثير ، فقال قتادة : والله الذي لا إله إلا هو ما يسألني اليوم أحد عن الحلال والحرام إلا أجبته ، فقام إليه أبو حنيفة فقال : يا أبا الخطّاب ما تقول في رجل غاب عن أهله أعواما فظنت امرأته أن زوجها مات فتزوجت ، ثم رجع زوجها الأول ما تقول في صداقها؟ وقال لأصحابه الذين اجتمعوا إليه : لئن حدث بحديث ليكذبن ، ولئن قال برأي نفسه ليخطئن فقال قتادة : ويحك أوقعت هذه المسألة؟ قال لا ، قال : فلم تسألني عما لم يقع؟ قال أبو حنيفة إنا نستعد للبلاء قبل نزوله ، فإذا ما وقع عرفنا الدخول فيه والخروج منه. قال قتادة : والله لا أحدثكم بشيء من الحلال والحرام ، سلوني عن التفسير ، فقام إليه أبو حنيفة فقال له : يا أبا الخطّاب ما تقول في قول الله تعالى : (قالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ) [النحل ٤٠] قال نعم ، هذا آصف بن برخيا بن شمعيا كاتب سليمان بن داود كان يعرف اسم الله الأعظم ، فقال أبو حنيفة : هل كان يعرف الاسم سليمان؟ قال لا ، قال : فيجوز أن يكون في زمن نبي من هو أعلم من النبي؟ قال فقال قتادة : والله لا أحدثكم بشيء من التفسير ، سلوني عما اختلف فيه العلماء ، قال : فقام إليه أبو حنيفة فقال : يا أبا الخطّاب أمؤمن أنت؟ قال : أرجوا! قال : ولم؟ قال : لقول إبراهيم عليهالسلام : (وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ) [الشعراء ٨٢] فقال أبو حنيفة : مهلا قلت كما قال إبراهيم عليهالسلام :(قالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قالَ بَلى) [البقرة ٢٦٠] فهلا قلت بلى؟ قال فقام قتادة مغضبا ودخل الدار وحلف ألا يحدثهم.
أخبرنا الصيمري ، أخبرنا عمر بن إبراهيم المقرئ ، حدّثنا مكرم بن أحمد ، حدّثنا أحمد بن محمّد ـ يعني الحماني ـ حدّثنا الفضل بن غانم قال : كان أبو يوسف مريضا شديد المرض ، فعاده أبو حنيفة مرارا ، فصار إليه آخر مرة فرآه مقبلا فاسترجع ، ثم قال : لقد كنت أؤملك بعدي للمسلمين ، ولئن أصيب الناس بك ليموتن معك علم كثير ، ثم رزق العافية وخرج من العلة ، فأخبر أبو يوسف يقول أبي حنيفة ، فارتفعت نفسه ، وانصرفت وجوه الناس إليه فقعد لنفسه مجلسا في الفقه وقصر عن لزوم مجلس أبي حنيفة ، فسأل عنه ، فأخبر أنه قد قعد لنفسه مجلسا ، وأنه قد بلغه كلامك فيه ، فدعا رجلا كان له عنده قدر فقال : صر إلى مجلس يعقوب فقل له : ما تقول في رجل دفع إلى قصار ثوبا ليقصره بدرهم ، فصار إليه بعد أيام في طلب الثوب ، فقال له