تعالى : (وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْداءُ اللهِ إِلَى النَّارِ) [فصلت : ١٩].
وقوله : (وَإِنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ) أي إن كان القتيل المؤمن. فجعل للقوم الذين بين المسلمين وبينهم ميثاق ، أيّ عهد من أهل الكفر ، دية قتيلهم المؤمن اعتدادا بالعهد الذي بيننا ـ وهذا يؤذن بأنّ الدية جبر لأولياء القتيل ، وليست مالا موروثا عن القاتل ، إذ لا يرث الكافر المسلم ، فلا حاجة إلى تأويل الآية بأن يكون للمقتول المؤمن وارث مؤمن في قوم معاهدين ، أو يكون المقتول معاهدا لا مؤمنا ، بناء على أنّ الضمير في «كان» عائد على القتيل بدون وصف الإيمان ، وهو تأويل بعيد لأنّ موضوع الآية فيمن قتل مؤمنا خطأ. ولا يهولنّكم التصريح بالوصف في قوله : (وَهُوَ مُؤْمِنٌ) لأنّ ذلك احتراس ودفع للتوهّم عند الخبر عنه بقوله : (مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ) أن يظن أحد أنّه أيضا عدوّ لنا في الدّين. وشرط كون القتيل مؤمنا في هذا لحكم مدلول بحمل مطلقه هنا على المقيّد في قوله هنالك (وَهُوَ مُؤْمِنٌ) ، ويكون موضوع هذا التفصيل في القتيل المسلم خطأ لتصدير الآية بقوله : (وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً) ، وهذا قول مالك ، وأبي حنيفة.
وذهبت طائفة إلى إبقاء المطلق هنا على إطلاقه ، وحملوا معنى الآية على الذمّي والمعاهد ، يقتل خطأ فتجب الدية وتحرير رقبة ، وهو قول ابن عباس ، والشعبي ، والنخعي ، والشافعي ، ولكنّهم قالوا : إنّ هذا كان حكما في مشركي العرب الذين كان بينهم وبين المسلمين صلح إلى أجل ، حتّى يسلموا أو يؤذنوا بحرب ، وإنّ هذا الحكم نسخ.
وقوله : (فَصِيامُ شَهْرَيْنِ مُتَتابِعَيْنِ) وصف الشهران بأنّهما متتابعان والمقصود تتابع أيامهما. لأنّ تتابع الأيام يستلزم توالي الشهرين.
وقوله : «توبة من الله» مفعول لأجله على تقدير : شرع الله الصيام توبة منه. والتوبة هنا مصدر تاب بمعنى قبل التوبة بقرينة تعديته ب (من) ، لأنّ تاب يطلق على معنى ندم وعلى معنى قبل منه ، كما تقدّم في قوله تعالى : (إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللهِ) [النساء : ١٧] في هذه السورة ، أي خفّف الله عن القاتل فشرع الصيام ليتوب عليه فيما أخطأ فيه لأنّه أخطأ في عظيم. ولك أن تجعل (تَوْبَةً) مفعولا لأجله راجعا إلى تحرير الرقبة والدية وبدلهما ، وهو الصيام ، أي شرع الله الجميع توبة منه على القاتل ، ولو لم يشرع له ذلك لعاقبه على أسباب الخطأ ، وهي ترجع إلى تفريط الحذر والأخذ بالحزم. أو هو حال من «صيام» ، أي سبب توبة ، فهو حال مجازية عقلية.