للموصوف ، أن يكون الموصوف بكلمة آخر بعضا من جنس ما عطف هو عليه باعتبار ما جعله المتكلّم جنسا في كلامه ، بالتصريح أو التقدير. وقد ذهب بعض علماء اللغة إلى لزوم ذلك ، واحتفل بهذه المسألة الحريري في «درّة الغوّاص». وحاصلها : أنّ الأخفش الصغير ، والحريري ، والرضيّ ، وابن يسعون ، والصقلي ، وأبا حيان ، ذهبوا إلى اشتراط اتّحاد جنس الموصوف بكلمة آخر وما تصرّف منها مع جنس ما عطف هو عليه ، فلا يجوز عندهم أن تقول : ركبت فرسا وحمارا آخر ، ومثّلوا لما استكمل الشرط بقوله تعالى : (أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ) [البقرة : ١٨٤] ثم قال : (فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) [البقرة : ١٨٥] وبقوله : (أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى وَمَناةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرى) [النجم : ١٩ ، ٢٠] فوصف مناة بالأخرى لأنّها من جنس اللات والعزّى في أنّها صنم ، قالوا : ومثل كلمة آخر في هذا كلمات : سائر ، وبقية ، وبعض ، فلا تقول : أكرمت رجلا وتركت سائر النساء. ولقد غلا بعض هؤلاء النحاة فاشترطوا الاتحاد بين الموصوف بآخر وبين ما عطف هو عليه حتّى في الإفراد وضدّه. قاله ابن يسعون والصقلي ، وردّه ابن هشام في «التذكرة» محتجّا بقول ربيعة بن مكدم :
ولقد شفعتهما بآخر ثالث |
|
وأبى الفرار لي الغداة تكرمي |
وبقول أبي حيّة النميري :
وكنت أمشي على رجلين معتدلا |
|
فصرت أمشي على أخرى من الشّجر |
وقال قوم بلزوم الاتّحاد في التذكير وضدّه ، واختاره ابن جنّي ، وخالفهم المبرّد ، واحتجّ المبرّد بقول عنترة :
والخيل تقتحم الغبار عوابسا |
|
من بين شيظمة وآخر شيظم |
وذهب الزمخشري وابن عطية إلى عدم اشتراط اتّحاد الموصوف بآخر مع ما عطف هو عليه ، ولذلك جوزا في هذه الآية أن يكون المعنى : ويأت بخلق آخرين غير الإنس.
واتّفقوا على أنّه لا يجوز أن يوصف بكلمة آخر موصوف لم يتقدّمه ذكر مقابل له أصلا ، فلا تقول : جاءني آخر ، من غير أن تتكلّم بشيء قبل ، لأنّ معنى آخر معنى مغاير في الذات مجانس في الوصف. وأمّا قول كثير :
صلّى على عزّة الرحمن وابنتها |
|
لبنى وصلّى على جاراتها الأخر |
فمحمول على أنّه جعل ابنتها جارة ، أو أنّه أراد : صلى على حبائبي : عزّة وابنتها وجاراتها حبائبي الأخر.