بِالْقِسْطِ شُهَداءَ لِلَّهِ) من معنى التخاصم والتقاضي. والتقدير : أن يكن أحد الخصمين من أهل هذا الوصف أو هذا الوصف ، والمراد الجنسان ، و (أو) للتقسيم ، وتثنية الضمير في قوله : (فَاللهُ أَوْلى بِهِما) لأنّه عائد إلى «غنيا وفقيرا» باعتبار الجنس ، إذ ليس القصد إلى فرد معيّن ذي غني ، ولا إلى فرد معيّن ذي فقر ، بل فرد شائع في هذا الجنس وفي ذلك الجنس.
وقوله : (أَنْ تَعْدِلُوا) محذوف منه حرف الجرّ ، كما هو الشأن مع أن المصدرية ، فاحتمل أن يكون المحذوف لام التعليل فيكون تعليلا للنهي ، أي لا تتّبعوا الهوى لتعدلوا ، واحتمل أن يكون المحذوف (عن) ، أي فلا تتّبعوا الهوى عن العدل ، أي معرضين عنه. وقد عرفت قاضيا لا مطعن في ثقته وتنزّهه ، ولكنّه كان مبتلى باعتقاد أنّ مظنّة القدرة والسلطان ليسوا إلّا ظلمة : من أغنياء أو رجال. فكان يعتبر هذين الصنفين محقوقين فلا يستوفي التأمّل من حججهما.
وبعد أن أمر الله تعالى ونهى وحذّر ، عقّب ذلك كلّه بالتهديد فقال : (وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً).
وقرأ الجمهور : (تَلْوُوا) ـ بلام ساكنة وواوين بعدها ، أولاهما مضمومة ـ فهو مضارع لوى ، واللّي : الفتل والثّني. وتفرّعت من هذا المعنى الحقيقي معان شاعت فساوت الحقيقة ، منها : عدول عن جانب وإقبال على جانب آخر فإذا عدّي بعن فهو انصراف عن المجرور بعن ، وإذا عديّ بإلى فهو انصراف عن جانب كان فيه ، وإقبال على المجرور بعلى ، قال تعالى : (وَلا تَلْوُونَ عَلى أَحَدٍ) [آل عمران : ١٥٣] أي لا تعطفون على أحد. ومن معانيه : لوى عن الأمر تثاقل ، ولوى أمره عنّي أخفاه ، ومنها : ليّ اللسان ، أي تحريف الكلام في النطق به أو في معانيه ، وتقدّم عند قوله تعالى : (يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتابِ) في سورة آل عمران [٧٨] ، وقوله : (لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ) في هذه السورة [٤٦]. فموقع فعل (تَلْوُوا) هنا موقع بليغ لأنّه صالح لتقدير متعلّقه المحذوف مجرورا بحرف (عن) أو مجرورا بحرف (على) فيشمل معاني العدول عن الحقّ في الحكم ، والعدول عن الصدق في الشهادة ، أو التثاقل في تمكين المحقّ من حقّه وأداء الشهادة لطالبها ، أو الميل في أحد الخصمين في القضاء والشهادة. وأمّا الإعراض فهو الامتناع من القضاء ومن أداء الشهادة والمماطلة في الحكم مع ظهور الحقّ ، وهو غير الليّ كما رأيت. وقرأه ابن عامر ، وحمزة ، وخلف : (وَإِنْ تَلْوُوا) ـ بلام مضمومة بعدها واو ساكنة ـ فقيل : هو مضارع ولي