الملائكة عليهم قول جمهور المعتزلة والباقلّاني والحليمي من أهل السنّة ، وقال قوم بالتفصيل في التفضيل ، ونسب إلى بعض الماتريدية ، ولم يضبط ذلك التفصيل ، والمسألة اجتهادية ، ولا طائل وراء الخوض فيها ، وقد نهى النبي صلىاللهعليهوسلم عن الخوض في تفاضل الأنبياء ، فما ظنّك بالخوض في التفاضل بين الأنبياء وبين مخلوقات عالم آخر لا صلة لنا به.
و (الْمُقَرَّبُونَ) ، يحتمل أن يكون وصفا كاشفا ، وأن يكون مقيّدا ، فيراد بهم الملقّبون (بالكروبيين) وهم سادة الملائكة : جبريل وإسرافيل وميكائيل وعزرائيل. ووصفهم بالكروبيين وصف قديم وقع في بيت نسب إلى أميّة بن أبي الصلت. وقد قالوا : إنّه وصف مشتقّ من كرب مرادف قرب ، وزيد فيه صيغتا مبالغة ، وهي زنة فعول وياء النسب. والّذي أظنّ أنّ هذا اللّفظ نقل إلى العربيّة من العبرانيّة : لوقوع هذا اللّفظ في التّوراة في سفر اللاويين وفي سفر الخروج ، وأنّه في العبرانيّة بمعنى القرب ، فلذلك عدل عنه القرآن وجاء بمرادفه الفصيح فقال : (الْمُقَرَّبُونَ) ، وعليه فمن دونهم من الملائكة يثبت لهم عدم الاستنكاف عن العبوديّة لله بدلالة الأحرى.
وقوله : (وَمَنْ يَسْتَنْكِفْ عَنْ عِبادَتِهِ) الآية تخلّص إلى تهديد المشركين كما أنبأ عنه قوله : (وَأَمَّا الَّذِينَ اسْتَنْكَفُوا وَاسْتَكْبَرُوا فَيُعَذِّبُهُمْ عَذاباً أَلِيماً وَلا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً).
وضمير الجمع في قوله : (فَسَيَحْشُرُهُمْ) عائد إلى غير مذكور في الكلام ، بل إلى معلوم من المقام ، أي فسيحشر النّاس إليه جميعا كما دلّ عليه التفصيل المفرّع عليه وهو قوله: (فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) إلخ. وضمير (وَلا يَجِدُونَ) عائد إلى (الَّذِينَ اسْتَنْكَفُوا وَاسْتَكْبَرُوا) ، أي لا يجدون وليّا حين يحشر الله النّاس جميعا. ويجوز أن يعود إلى الّذين (اسْتَنْكَفُوا وَاسْتَكْبَرُوا) ويكون (جَمِيعاً) بمعنى مجموعين إلى غيرهم ، منصوبا ، فإنّ لفظ جميع له استعمالات جمّة : منها أن يكون وصفا بمعنى المجتمع ، وفي كلام عمر للعبّاس وعليّ : «ثم جئتماني وأمركما جميع» أي متّفق مجموع ، فيكون منصوبا على الحال وليس تأكيدا. وذكر فريق المؤمنين في التفصيل يدلّ على أحد التقديرين.
والتوفية أصلها إعطاء الشيء وافيا ، أي زائدا على المقدار المطلوب ، ولمّا كان تحقّق المساواة يخفى لقلّة الموازين عندهم ، ولاعتمادهم على الكيل ، جعلوا تحقّق المساواة بمقدار فيه فضل على المقدار المساوي ، أطلقت التوفية على إعطاء المعادل ؛