طائفة خاصّة بل العبرة بالاتّصاف بمضمون إحدى تلك الصلات جميعها بالأولى ، والتعويل في مثل هذا على القرائن.
وقوله : (مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ) بيان لأقرب صلة منه وهي صلة (وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِ) والأصل في البيان أن يكون بلصق المبين لأنّ البيان نظير البدل المطابق وليس هذا من فروع مسألة الصفة ونحوها الواردة بعد جمل متعاطفة مفرد وليس بيانا لجملة الصلة على أنّ القرينة تردّه إلى مردّه. وفائدة ذكره التنديد عليهم بأنّهم أوتوا الكتاب ولم يدينوا دين الحقّ الذي جاء به كتابهم ، وإنّما دانوا بما حرفوا منه ، وما أنكروا منه ، وما ألصقوا به ، ولو دانوا دين الحق لاتّبعوا الإسلام ، لأنّ كتابهم الذي أوتوه أوصاهم باتّباع النبي الآتي من بعد (وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ لَما) آتيناكم (مِنْ كِتابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِما مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلى ذلِكُمْ إِصْرِي قالُوا أَقْرَرْنا قالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ فَمَنْ تَوَلَّى بَعْدَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ أَفَغَيْرَ دِينِ اللهِ) تبغون [آل عمران : ٨١ ـ ٨٣].
وقوله : (وَلا يُحَرِّمُونَ ما حَرَّمَ اللهُ وَرَسُولُهُ). بمعنى لا يجعلون حراما ما حرّمه الله فإنّ مادة فعّل تستعمل في جعل المفعول متّصفا بمصدر الفعل ، فيفيد قوله : (وَلا يُحَرِّمُونَ ما حَرَّمَ اللهُ وَرَسُولُهُ) أنّهم يجعلونه غير حرام والمراد أنّهم يجعلونه مباحا. والمقصود من هذا تشنيع حالهم وإثارة كراهيتهم لهم بأنّهم يستبيحون ما حرّمه الله على عباده ولمّا كان ما حرمه الله قبيحا منكرا لقوله تعالى : (وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّباتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبائِثَ) [الأعراف : ١٥٧] لا جرم أنّ الذين يستبيحونه دلّوا على فساد عقولهم فكانوا أهلا لردعهم عن باطلهم على أنّ ما حرّم الله ورسوله شامل لكليات الشريعة الضروريات كحفظ النفس والنسب والمال والعرض والمشركون لا يحرّمون ذلك.
والمراد (برسوله) محمد صلىاللهعليهوسلم كما هو متعارف القرآن ولو أريد غيره من الرسل لقال ورسله لأنّ الله ما حرّم على لسان رسوله إلّا ما هو حقيق بالتحريم.
وعلى هذا التفسير تكون هذه الآية تهيئة للمسلمين لأنّ يغزوا الروم والفرس وما بقي من قبائل العرب الذين يستظلّون بنصر إحدى هاتين الأمّتين الذين تأخر إسلامهم مثل قضاعة وتغلب بتخوم الشّام حتّى يؤمنوا أو يعطوا الجزية.
و (حَتَّى) غاية للقتال ، أي يستمرّ قتالكم إيّاهم إلى أن يعطوا الجزية.