البداية التي تحدد له خط السير ، لتلمس ملامح خط النهاية ، تماما ، كما هو المفهوم من الآية الكريمة : (إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا) [فصلت : ٣٠].
(إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكادُ أُخْفِيها) وهذا هو الوحي الثاني الذي يضع المسألة في دائرة المسؤولية ، من خلال الموعد الذي حدده الله ، والنتائج التي تنتظر الإنسان هناك ، وهو يوم القيامة الذي يعبّر عنه بالساعة التي لم يبينها الله للإنسان ، (لِتُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما تَسْعى) في ما تقدمه من أعمال الخير التي تنال بها رضا الله ، وأعمال الشر التي تستنزل عقابه.
(فَلا يَصُدَّنَّكَ عَنْها مَنْ لا يُؤْمِنُ بِها) ممن يعيش العمر في الدنيا باعتبارها نهاية المطاف ، أو الفرصة الأولى والأخيرة ، فيعمل على ممارسة الضغوط الفكرية والنفسية والعملية ، للوقوف في وجه الالتزام الفكري والعملي بالخط الإيماني الذي يطل على الدار الآخرة في عملية اقتناع وإيمان ، والحؤول دون الوصول به إلى نتيجة حاسمة في حركة الإنسان والحياة. إن مثل هذا النموذج من الناس لا يمثل قيمة كبيرة في ميزان التقييم الاجتماعي على مستوى الحق والواقع ، لأن عدم الإيمان ليس ناشئا من حالة فكرية مضادة ، بل هو ناشئ من حالة مزاجية معقّدة ، وقلق ذهني ساذج ، ونزعة شهوانية منحرفة. فقد ركب رأسه (وَاتَّبَعَ هَواهُ) فكان مقياسه للرفض وللقبول في مواقفه ، ما يقوده إليه هوى النفس بعيدا عن العقل ، فلا تستسلم لأساليبه ، (فَتَرْدى) لأنه يصل بك إلى الهلاك المحتوم في قضية المصير.
وها هي المفاجأة الثانية التي تعطيه الدليل على أن الرسالة تنتظره في مواقع التحديات،. وأن الله لن يتركه وحده ، بل سيؤيده ويدعمه بقوة عجيبة لا يثبت أمامها أي شيء. (وَما تِلْكَ بِيَمِينِكَ يا مُوسى) ولم يكن السؤال استفهاما لمعرفة الحقيقة الكامنة في صعيد الواقع ، لأن المسألة ليست غامضة