وهكذا دبروا الفكرة بطريقة خفية ، (وَأَسَرُّوا النَّجْوى) وأخفوها وطرحوا الشعار المثير الذي يستهوي القلب ، ويلهب المشاعر ، (قالُوا إِنْ هذانِ لَساحِرانِ) لا يملكان أية صفة للرسالة أو للنبوة ، ولكنهما يتظاهران بذلك ليسيطرا على الناس بطريقة الإيحاء بقداسة موقعهما ليحققا أهدافهما العدوانية ، فإنهما (يُرِيدانِ أَنْ يُخْرِجاكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِما) ليكون لهما ولشعبهما السيطرة على الأرض كلها ، (وَيَذْهَبا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلى) ويغيّرا كل أوضاعكم التي درجتم عليها مئات السنين ، فأصبحت جزءا من شخصيتكم القومية وحققت لكم الغلبة على من حولكم ، وحصلت لكم ، بها ، الامتيازات في الوضع الاجتماعي والسياسي والاقتصادي ، فما ذا تنتظرون منهما؟ هل تنتظرون منهما أن يحققا ما يريدان فتندموا على ذلك من حيث لا ينفعكم الندم ، (فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ) بما تملكونه من حيلة سحرية ، وبكل وسائلكم وإمكاناتكم ، (ثُمَّ ائْتُوا صَفًّا) واحدا لا مجال فيه للاختلاف ولا للتنازع ، لتكونوا قوة قاهرة ساحقة في مواجهة هذين ، (وَقَدْ أَفْلَحَ الْيَوْمَ مَنِ اسْتَعْلى) فوقف في موقف التحدي ، ونجح فيه ، وحصل على الموقف الأعلى في ساحة الصراع. ونجحت الخطة في إبعاد الموقف عن مواقع الفكر والحوار ، إلى موقف المجابهة والتحدّي ، ولكن إلى حين.
* * *
السحرة يلقون حبالهم وعصيهم
(قالُوا يا مُوسى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقى) إن الساحة جاهزة للتحدي ، فهل تحب أن تكون البادئ بإلقاء عصاك لنرى ماذا تفعل ، أو ترغب أن نلقي حبالنا وعصينا لترى عظمة السحر الذي نملكه ، وقوة الموقع الذي نقف فيه ، (قالَ بَلْ أَلْقُوا) لأن الخطة الإلهية هي أن يستنفدوا كل جهدهم لتكون النتيجة لموسى ، في التحدي الكبير. فألقوا حبالهم وعصيهم (فَإِذا حِبالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّها تَسْعى) واستعملوا كل فنون السحر التي يتقنونها من أجل الإيحاء