وسلطة ... وها نحن نضرع إلى الله أن يغفر لنا واقعنا المنحرف كله ، وستزول أنت ، وسيزول ملكك إن عاجلا أو آجلا. وسيزول كل هؤلاء الذين من حولك ، ممن يزينون لك الباطل ويشوهون لك الحق ، ويساعدونك في ظلم الناس ، ويمنعونك عن العدل ، ويبقى الله .. ، ويبقى ملكه .. ، (وَاللهُ خَيْرٌ وَأَبْقى) للإنسان في الدنيا والآخرة ، لأنه الرب العظيم الذي يرحم خلقه ويرعاهم ، ويهيّئ لهم سعادة الدنيا والآخرة إذا أطاعوه وعملوا بما يحب.
(إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِماً) عاصيا منحرفا من دون أن يتوب إلى الله من ذنوبه ، أو يصحح طريقه ، (فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لا يَمُوتُ فِيها وَلا يَحْيى) لأنه لن يذوق فيها لذة الحياة ، ولن يستريح فيها في هدأة الموت وراحته ، بل يظل في عذاب متحرك بين الموت والحياة ، جزاء على تمرده على الله وانحرافه عنه من دون حجة ولا هدى.
(وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِناً قَدْ عَمِلَ الصَّالِحاتِ) فكان إيمانه متحركا في مواقع الفكر والروح والشعور ، ومتجسدا في حركة الواقع العملي في حياته وحياة الناس من حوله ، بما يصلح أمره وأمرهم ، ويرفع مستوى حياته وحياتهم ، طاعة لله ، وطلبا لرضاه ، (فَأُولئِكَ لَهُمُ الدَّرَجاتُ الْعُلى) التي أعدّها الله لعباده المؤمنين الصالحين ، تبعا لدرجاتهم في الايمان والتقوى والالتزام ، فكل درجة في الآخرة تقابل درجة في الإيمان في الدنيا ، (جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَذلِكَ جَزاءُ مَنْ تَزَكَّى) وطهر فكره وروحه من كل أرجاس الباطل والشهوات والمطامع والضلال ، وذلك هو الفوز العظيم.
وهكذا استطاع هؤلاء أن يقفوا الموقف الذي يؤكدون من خلاله إيمانهم وتمردهم على كل التهديدات القاسية التي وجهها إليهم فرعون ، لأنهم ارتفعوا بإيمانهم بالله ، وانفتاحهم على عالم الغيب ، عن كل مواقع الخوف ونقاط الضعف ، وانطلقوا مع قوة الله التي لا قوة فوقها أو معها .. إلا من خلالها ..
* * *