والنفي هو رفع الإثبات ، ورفع الإثبات لا يكون عين الإثبات. ورفع الإثبات الخارجي اثبات ذهني منسوب إلى لا إثبات خارجي. وكونه في الذهن متصورا ومتميزا عن غيره ومتعينا في نفسه وثابتا في الذهن ، لا ينافي كون ما هو منسوب إليه لا ثابتا في الخارج. والحكم بأنّ ما ليس بثابت في الخارج غير متصوّر مطلقا ، باطل ؛ لأنّه متصور من حيث إنّه ليس بثابت في الخارج غير متصور لا من حيث هذا الوصف ، وذلك التصديق موقوف على هذا التصور من هذه الحيثيّة ، لا على ما نسب هذا الوصف ، ولذلك لم يكن ممتنعا.
ورفع الثبوت الشامل للخارجي والذهني تصور ما (١) ليس بثابت ولا متصور أصلا ، فيصحّ الحكم عليه من حيث هو ذلك المتصور (٢) ، ولا يصحّ من حيث هو ليس بثابت ، ولا يكون تناقضا ؛ لاختلاف الموضوعين ، ولا مانع من أن يكون شيء قسيما لشيء باعتبار ، وقسما منه باعتبار ، مثلا إذا قلنا : الموجود إمّا ثابت في الذهن وإمّا غير ثابت في الذهن ، فاللاموجود قسيم للموجود ، ومن حيث إنّه مفهوم قسم من الثابت في الذهن ، فقد انحلّ الشكّ من غير تعارض دليلين. (٣)
وفي بعض كلامه نظر ، فإنّه لا يلزم من كون الشيء فرعا على غيره أن يكون كسبيا ؛ فإنّ العلم بالصفة فرع على العلم بالذات ، مع جواز كونهما ضروريتين. والتصديق كلّه فرع على التصور ، بل هذه القضية التي هي أوّل الأوائل منفصلة فرع على جزئيها الحمليتين وكون الكلّ هو الجزء مع زيادة ضروري ، وكونه أعظم وإن كان هو هذا بالذات ، لكن قد تغايره بنوع من الاعتبار ، ولا ندعي أنّ أحدهما حجّة ، وإلّا لكان المطلوب كسبيا.
__________________
(١) في المصدر : «لما».
(٢) في المصدر : «التصور».
(٣) نقد المحصل : ٢٧ و ٢٨ و ٢٩ و ٣٠.