ليس لقولنا : السواد موجود أو معدوم ، مفهوم محصل. وإذا كان كذلك لم يكن لقولنا : السواد إمّا أن يكون موجودا وإمّا أن يكون معدوما ، مفهوم محصل. وإذا كان كذلك امتنع التصديق به ، فضلا عن كون ذلك التصديق بديهيا.
وأمّا الثاني : وهو قولنا : الجسم إمّا أن يكون أسود وإمّا أن لا يكون ، فنقول : من الظاهر أنّه لا يمكن التصديق به إلّا بعد تصوّر معنى قولنا : الجسم أسود ، والجسم ليس بأسود.
فنقول : إذا قلنا الجسم أسود فهو محال من وجهين :
أحدهما : أنّه حكم بوحدة الاثنين على ما تقدّم تقريره ، وهو باطل.
الثاني : أنّ موصوفيّة الجسم بالسواد ، إمّا أن يكون وصفا عدميا ، أو ثبوتيا ، والأوّل محال ؛ لأنّه نقيض اللاموصوفية ، وهي وصف سلبي ونقيض السلب ثبوت ، فالموصوفية لا يمكن أن تكون أمرا عدميا.
ومحال أن يكون أمرا ثبوتيا ؛ لأنّه على هذا التقدير إمّا أن يكون نفس وجود الجسم أو السواد ، وإمّا أن يكون مغايرا لهما. والأوّل محال ؛ لأنّه ليس كلّ من عقل وجود الجسم ووجود السواد عقل كون الجسم موصوفا بالسواد. والثاني محال أيضا ؛ لأنّ موصوفية الجسم بالسواد لو كانت صفة زائدة لكانت موصوفية الجسم بتلك الصفة زائدة عليها ، وهو محال. فثبت أنّ موصوفية الشيء بغيره غير معقولة.
فإن قلت : الموصوفية ثابتة في الذهن دون الخارج.
قلت : الذهن إن طابق الخارج عاد الإشكال ، وإلّا فلا عبرة به. ولأنّ موصوفية الشيء بالشيء نسبة بينهما ، والنسبة بين الشيئين (١) يستحيل أن تكون حاصلة في غيرهما ، وإذا كان كذلك كان الجزء (٢) من هذه المنفصلة هو الجزء
__________________
(١) ق : «المنتسبين».
(٢) في عبارة المحصل : «الحق».