ومطابقة الذهن للخارج إنّما يكون شرطا في الحكم على الأمور الخارجية بأشياء خارجية. أمّا في المعقولات [و] في الأحكام الذهنية على الأمور الوهمية (١) فليس بشرط.
والنسب والإضافات أمور لا يكون لها وجود إلّا في العقل ، واعتبارها في الأمور الخارجية هو كون تلك الأمور صالحة لأن يعقل منها تلك النسب والإضافات ، أي تكون بحيث إذا عقلها عاقل حصل في عقله تلك النسبة أو الإضافة. (٢)
وفيه نظر ، فإنّه إذا فسّر قولنا : السواد موجود ، أي يقال عليه الموجود بأنّه الذي يقال له إنّه سواد هو الذي يقال له إنّه موجود ، عاد الطلب في معنى قولنا الذي يقال له إنّه سواد هل هما واحد أو اثنان؟ ويعود الإشكال ، والقسمة حاصرة ، لأنّ المتحدين من وجه إذا تغايرا من وجه كانا متغايرين ، فالحكم بأنّ أحدهما هو الآخر حكم بوحدة المتغايرين.
وإذا قلنا السواد موجود على معنى أنّه موصوف بالوجود والصفة قائمة بالموصوف لزم القيام. وقولنا : الحيوان جسم ، المحمول هنا وصف ؛ لأنّه الجسم لا بشرط شيء ، والجسم بشرط لا شيء هو المادة التي لا تحمل ، والسواد إذا قام به الوجود كان وجوده باعتبار هذا الوجود القائم به ، فلا يكون في نفسه موجودا ، وإذا لم يكن في نفسه موجودا مع نسبة الوجود أو العدم إليه ، كان لا محالة معدوما لامتناع خلو السواد في نفسه عنهما ، وعود البحث ، وتعدد الوجود جعله لازما لنقيض قولنا : السواد في نفسه ليس موجودا بلا شكّ في هذه الملازمة ، فإنّ السواد لو كان في نفسه موجودا نقلنا الكلام إلى ذلك الموجود ، هل هو نفس السواد أو
__________________
(١) في المصدر : «الذهنية».
(٢) نقد المحصل : ٣١ و ٣٢ و ٣٣ و ٣٤ و ٣٥ و ٣٦.