(سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) (١) ، فالمرتبة الأولى وهي الاستدلال بآيات الآفاق والأنفس عليه تعالى مرتبة القاصرين ، والثانية وهي الاستدلال به على الكلّ مرتبة الصديقين.
واعلم أنّ المراد من ذلك إن كان العلم بالوجود ، فلا فرق بين البابين ، فإنّه يلزم من العلم بوجود كلّ من العلّة والمعلول وجود الآخر. وإن كان المراد العلم بالحقيقة ففيه ما تقدّم.
تذنيب : ما يعلم بسببه إنّما يعلم كلّيا فإنّا إذا علمنا أنّ الألف يوجب الباء فالباء من حيث هو أمر كلي ؛ لأنّه لا يمنع نفس تصوّره من وقوع الشركة فيه ، وكونه معلولا للألف لا ينافي كلّيته لإمكان أن تكون الباء الصادرة عن الألف لا تمنع نفس تصوّره ـ مستندا إلى الألف ـ من وقوع الشركة فالمعلوم بسببه إنّما يعلم كلّيا.
اعترض (٢) بأنّ السواد إذا تشخص فلا بدّ وأن يكون تشخّصه لسبب فإذا علم سبب تشخصه وجب أن يعرف ذلك التشخص ، لأنّ العلم بالعلّة علّة للعلم بالمعلول ، فهنا قد علم الشيء بسببه لا على الوجه الكلّي ، بل على الجزئي.
__________________
(١) فصلت / ٥٣. وتوجد كلمات في الأدعية المأثورة عن أهل البيت ـ عليهمالسلام ـ تدلّ على هذه المرتبة (الصديقين) من معرفة الواجب تعالى ، مثل «يا من دل على ذاته بذاته» (دعاء الصباح لأمير المؤمنين ـ عليهالسلام ـ) و «أيكون لغيرك من الظهور ما ليس لك ...» (دعاء يوم عرفة للإمام الحسين ـ عليهالسلام ـ) و «بك عرفتك ، وأنت دللتني عليك ودعوتني إليك ولو لا أنت لم أدر ما أنت» (دعاء أبي حمزة الثمالي عن الإمام زين العابدين ـ عليهالسلام ـ).
(٢) أي الرازي في المباحث المشرقية ١ : ٤٨٣.