يتصعد إليها من البخارات الرطبة المضطربة ، وحينئذ يقل استعمال العقل لها في الحركات الفكرية لعدم اذعانها للتشكل الروحاني لرطوبتها فيصعب على العقل استعمالها فتعرض للقوة العقلية اعراض بقدر ما يعتدل مزاجها ويسكن تموجها فتصير باعتبار ترك استعمال العقل لتلك الأرواح مشغولة بما يرد عليها من الحواس الخارجة ، خصوصا والحس الظاهر أقدر على تحريك الروح الباطني (١) من العقل ، ولهذا إذا يعسر على العقل شيء واستعصى عليه استعان بالحس كما في العلوم الهندسية فيعينه ويقويه. فحصل لشارب الخمر أُمور ثلاثة تفيد اشتداد الفرح.
الأوّل : استكمال جوهر روحه كمّا وكيفا.
الثاني : اندفاع الأفكار العقلية عنه التي قد تكون أسبابا في الغم.
الثالث : اشتغال تخيله وتفكره بالمحسوسات الخارجية التي هي أسباب اللذة وتفرغه لها.
وأمّا السوداوي (٢) فيشتد غمه ؛ لأنّ الأمر في حقّه بضدّ ما ذكرناه. وهو أيضا قوي التخيل ؛ لأنّ الروح الذي في البطن الأوسط من الدماغ تخف حركته لجفافه ، ولما تفيده السوداء من اليبس. ثمّ إنّه لقوة تخيله ينفذ تخيله في فكرة موحشة بايراده الاشباح (٣) والمحاكيات للسبب الموحش العام وتكون كأنّها واقعة ، فلا يزال في غم وخوف.
__________________
(١) ق : «الباطن».
(٢) في النسخ : «السواوي».
(٣) في النسخ : «الاشباه».