الآخر ، فكيف يمكن مع ذلك الحكم بكون ذلك الجسم واحدا في الحقيقة؟
لا يقال : الكثرة حصلت باعتبار التوهم أو اختلاف الأعراض أو الفرض ، فانّك قبل الفرض لا تجد فيه كثرة ولا تمايز ، فإذا فرضت جانبا مغايرا لجانب آخر حصلت هناك كثرة.
لأنّا نقول : التميّز في الإشارة والوهم والفرض (١) واختلاف الأعراض متوقف على التميز في المشار إليه ، لاستحالة أن يتميز في الإشارة ما ليس بمتميز في ذاته ، لأنّ الإشارة تابعة وحكاية عن المشار إليه متأخرة عنه بالذات ، فلو جعلنا التميز في المشار إليه معللا بالامتياز في الإشارة لزم الدور. ولأنّا نعلم بالضرورة أنّ أحد جانبي الجسم قد كان ممتازا عن الجانب الآخر وموجودا في نفسه ومتحققا مغايرا للجانب الآخر ، سواء وجد وهم ومتوهم أو لا.
الوجه الخامس : إذا حكمنا على الجسم البسيط بأنّه موجود ، فالمحكوم عليه بهذا الحكم ليس إلّا الجملة المتخيلة من تلك الأبعاض المفترضة فيه وأنّه ليس أمرا مغايرا لها ، فلو كانت تلك الأبعاض أمورا تحدث عند القسمة وأنّ الوجود قبل القسمة أمر وراء تلك الأبعاض كان ذلك خروجا عن المعقول ؛ لأنّا لا نعقل من الجملة هذا الجسم إلّا المجموع الحاصل من أجزائه وجوانبه.
فظهر من هذه الوجوه أنّ أجزاء الجسم حاصلة بالفعل في نفسها ، سواء فرضها فارض أو لا ، إلّا أنّها حالة الاتصال ليست متفاصلة بالفعل ، بل متصلة اتصال تماس.
اعترض أفضل المحققين : «بمنع انقسام القائم بالمنقسم. وقيام الوحدة بالوحدة ممكن. وادعاء الضرورة «أنّ (٢) أحد الجانبين من الجسم قبل القسمة
__________________
(١) التميّز الوهمي ما هو بحسب التوهم جزئيا ، والتميّز الفرضي ما هو بحسب فرض العقل كليا.
(٢) في المصدر : «بأن».