فقد ظهر من هذا أنّ كلّ ماهية جرّدت عن المادة وعوارض المادة فهي معقولة بذاتها بالفعل ، وهي عقل بالفعل ، ولا تحتاج في أن تكون معقولة إلى شيء آخر يعقلها. (١)
والجواب : أنّا نختار الأوّل ، وهو أنّ العقل بالفعل هو العقل بالقوة عند حلول الصورة المجرّدة فيه.
قوله : العقل بالقوة يعقل تلك الصورة لأجل حضورها فيه كيف ما كان (٢) ، أو لأجل حضورها في شيء من شأنه أن يعقل.
قلنا : نختار الثاني ، وهو أن يعقل تلك الصورة لأنّها حلّت في شيء من شأنه أن يعقل.
قوله : يلزم أن يكون إنّما عقلها لأنّها حلت في شيء من شأنه أن يحل فيه شيء.
قلنا : إنّما يلزم ذلك لو جعلنا التعقل نفس حصول صورة المعقول ونحن لا نقول به ، بل شيء آخر إمّا إضافة إليه أو غيرها. فإنّ المعقول إن كان هو ذات العاقل امتنع أن يكون التعقل بحصول صورة للمعقول في العاقل ، وإلّا لتضاعفت الصور ، بل يكون بإضافة تحصل لذاته من حيث هو عاقل إلى ذاته من حيث هو معقول وتلك الإضافة التعقل ، وإن كان غيره أمكن لذلك العاقل أن يعقل ذلك المعقول من حيث هو هو ، حال كون المعقول معدوما في الخارج. فلا بدّ
__________________
(١) قال صدر المتألهين ـ في مقام الدفاع عن الشيخ ـ : ولعلّ الشيخ تكلّم هاهنا على طريق التكلّف والمداراة مع طائفة من المشائيين من غير أن ينساق بطبعه إلى تحقيق هذا المرام وإلّا لوجب عليه أن يدفع بعض النقوض الواردة عليه لكونه مدافعا لكثير من الأحكام الّتي ذهب إليها هو وأشباهه من الحكماء. الأسفار ٣ : ٤٤٠ ـ ٤٤١.
(٢) أي على الإطلاق أو لا على الإطلاق.